تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 435

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ ١٠

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 9

تفسير المفردات :

العزة : أي الشرف والمنعة من قولهم أرض عزاز : أي صلبة ، والكلم الطيب : هو التوحيد أو الذكر أو قراءة القرآن ، وصعوده إلى الله : قبوله والعمل الصالح : هو ما كان بإخلاص ، يرفعه : أي يقبله ، يمكرون : أي يعملون على وجه المكر والخديعة ، والسيئات : المكرات السيئات كأن يراؤوا المؤمنين في أعمالهم يوهمونهم أنهم في طاعة الله ، يبور : أي يفسد من البوار وهو الهلاك .

الإيضاح :

( من كان يريد العزة فلله العزة جميعا( أي من كان يود أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى ، فإن بها تنال العزة إذ الله العزة فيهما جميعا .

( إليه يصعد الكلم الطيب( أي إنه سبحانه يقبل طيب الكلام كالتوحيد والذكر وقراءة القرآن ، ومن الذكر : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .

( والعمل الصالح يرفعه( صلاح العمل بالإخلاص فيه ، وما كان كذلك قبله الله وأثاب عليه ، وما لا إخلاص فيه فلا ثواب عليه بل عليه العقاب ، فالصلاة والزكاة وأعمال البر إذا فعلت مراءاة للناس لا يتقبلها الله كما قال سبحانه : ( فويل للمصلين4 الذين هم عن صلاتهم ساهون5 الذين هم يراءون 6ويمنعون الماعون( ( الماعون : 4-7 ) .

وروي عن ابن عباس أنه قال : الكلام الطيب ذكر الله ، والعمل الصالح أداء فرائضه . وعن الحسن وقتادة : لا يقبل الله قولا إلا بعمل ، من قال وأحسن قبل الله منه .

والخلاصة : إن القول إذا لم يصحبه عمل لا يقبل ، وأنشدوا :

لا ترض من رجل حلاوة قوله *** حتى يزين ما يقول فعال

وإذا وزنت فعاله بمقاله *** فتوازنا فإخاء ذاك جمال

وقال ابن المقفع : قول بلا عمل كثريد بلا دسم ، وسحاب بلا مطر ، وقوس بلا وتر .

وبعد أن ذكر أن العمل الصالح يصعد إلى الله ، ذكر أن المرائين لا يتقبل منهم عمل ، ولهم عذاب شديد عند ربهم قال :

( والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد( أي والذين يمكرون المكر السيء بالمسلمين ، بأن يعملوا كل ما يكون سببا في ضعف الإسلام والحط من قدره حتى يمحي أثره من الوجود ، كما فعلت قريش في دار الندوة ، إذ تدارست الرأي في شان النبي صلى الله عليه وسلم بحبسه أو قتله أو إجلائه من مكة - لهم العذاب الشديد يوم القيامة .

( ومكر أولئك هو يبور( أي ومكر هؤلاء المفسدين يظهر زيفه عن قريب لأولي البصائر ، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فالمرائي لا يروج أمره ولا يتفق إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم ، بل ينكشف عن قريب ، ويجازون عليه أشد الخزي والهوان .