غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري

النيسابوري- الحسن بن محمد القرن التاسع الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 586

إِذَا ٱلشَّمۡسُ كُوِّرَتۡ١

( سورة التكوير مكية حروفها خمسمائة وثلاثة وثلاثون كلمها مائة وتسع وثلاثون آياتها تسع وعشرون ) .

التفسير : إنه سبحانه لما ذكر الطامة والصاخة في خاتمتي السورتين المتقدمتين أردفهما بذكر سورتين مشتملتين على أمارات القيامة وعلامات يوم الجزاء . أما هذه ففيها اثنا عشر شيئاً . أوّلها تكوير الشمس وفيه وجهان : أحدهما إزالة النور لأن التكوير هو التلفيف على جهة الاستدارة كتكوير العمامة . وفي الحديث " نعوذ بالله من الحور بعد الكور " أي من التشتت بعد الألفة والاجتماع ، ومنه كارة القصار وهي ثوب واحد يجمع ثيابه فيه . ولا يخفى أن الشيء الذي يلف يصير مخفياً عن الأعين فعبر عن إزالة النور عن جرم الشمس وصيرورتها غائبة عن الأعين بالتكوير . الثاني أن يكون من قولهم طعنه فحوره وكوره إذا ألقاه أي ألقيت ورميت عن الفلك .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29القراآت : { سجرت } بالتخفيف : ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب . { قتلت } بالتشديد : يزيد و { نشرت } مخففاً : أبو جعفر ونافع وابن عامر وعاصم غير يحيى وحماد { الجوار } ممالة : قتيبة ونصير وأبو عمرو في رواية { بظنين } بالظاء : ابن كثير وعلي وأبو عمرو ويعقوب . الباقون : بالضاد .

وَإِذَا ٱلنُّجُومُ ٱنكَدَرَتۡ٢

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

وثانيها انكدار النجوم أي تساقطها وتناثرها والأصل في الانكدار الانصباب وكل متراكب ففيه كدورة فلهذا يقال للجيش الكثير دهماء . قال الخليل : انكدر عليهم القوم إذا جاءوا أرسالاً فانصبوا عليهم . قال الكلبي : تمطر السماء يومئذ نجوماً فقال عطاء : وذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من النور وتلك السلاسل في أيدي الملائكة ، فإذا مات من في السماء والأرض تساقطت تلك السلاسل من أيدي الملائكة . ويروى في الشمس والنجوم أنها تطرح في جهنم ليراها من عبدها .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَإِذَا ٱلۡجِبَالُ سُيِّرَتۡ٣
وَإِذَا ٱلۡعِشَارُ عُطِّلَتۡ٤

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

ورابعها تعطيل العشار وهي جمع عشراء كالنفاس في نفساء . والعشراء الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر ، ثم هو اسمها إلى أن تضع الحمل لتمام السنة ، وهي أنفس ما يكون عند أهلها وهم العرب فخوطبوا بما هو مركوز في أذهانهم مصوّر في خزانة خيالهم ، والغرض بيان شدّة الاشتغال بأنفسهم حتى يعطلوا ويهملوا ما هو أهم شيء عندهم . وقيل : العشار هي السحاب تعطلت عما فيها من الماء ، ولعله مجاز من حيث إن العرب تشبه السحاب بالحامل . قال الله تعالى { فالحاملات وقرا } [ الذاريات :2 ] .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَإِذَا ٱلۡوُحُوشُ حُشِرَتۡ٥

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

وخامسها حشر الوحوش والوحش ضد ما يستأنس به من دواب البر . قال قتادة : يحشر كل شيء حتى الذباب للقصاص ، وفيه أنه سبحانه إذا كان لا يهمل أمر الوحوش فكيف يهمل أمر المكلفين . قال الإمام فخر الدين : وفيه دليل على أن هول ذلك اليوم بلغ مبلغاً لا يفرغ الوحوش للنفار عن الإنسان ولا بعضها للاحتراز عن بعض مع العداوة الطبيعية بين بعض الأصناف حتى صار بعضها غذاء بعض . قلت : هذا الاستدلال ضعيف فإن الوحوش في الدنيا أيضاً مجتمعة مع الناس ومع أضدادها لكن في أمكنة مختلفة ، فلم لا يجوز أن تكون في القيامة أيضاً كذلك . وعن ابن عباس في رواية إن حشر الوحوش عبارة عن موتها وذلك إذا قضى بينها فردّت تراباً فلا يبقى منها إلا ما فيه سرور لبني آدم وإعجاب بصورته كالطاووس ونحوه . يقال : إذا اجتاحت السنة الناس وأموالهم حشرتهم السنة أي أماتتهم .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَإِذَا ٱلۡبِحَارُ سُجِّرَتۡ٦
وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ٧

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

السابع تزويج النفوس وهو اقتران الأرواح بالأجساد . وقال الحسن : هو كقوله{ وكنتم أزواجاً ثلاثة } [ الواقعة :7 ] أي صنفتم أصنافاً ثلاثة وقريب منه قول من قال : هو أن يضم كل واحد إلى من يجانسه في طبقته من خير أو شر . وقول من قال : هو أن يقرن بين الرجل وبين من كان يلازمه في الدنيا من ملك أو سلطان . وقال ابن عباس : زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين ، ونفوس الكافرين بالشياطين ، ويقرب منه قول الزجاج هو أن تقرن النفوس بأعمالها .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ٨

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

الثامن سؤال الموؤدة . قال جار الله : وأد يئد مقلوب آد يؤد إذا أثقل لأنه إثقال بالتراب ، وكانوا يدفنون بناتهم في الأرض أحياء خوفاً من الفقر ولخوف العار كما مر في " النحل " وغيره . ومعنى هذا السؤال تبكيت قاتلها كما يخاطب عيسى بقوله { أأنت قلت للناس } [ المائدة :116 ] والغرض تبكيت النصارى . وقيل : الموؤدة هي التي تسأل نفسها فهي السائلة والمسئول عنها . وإنما قيل { قتلت } ماضياً مجهولاً غائباً بناء على أن الكلام إخبار عنها ، ولو حكى ما خوطبت به حين سئلت لقيل قتلت مجهولاً مخاطباً ، ولو حكى كلامها حين سألت لقيل قتلت متكلماً مجهولاً وبه قرأ ابن عباس . قالت المعتزلة وبه يحتج صاحب الكشاف : إن في الآية دلالة على أن أطفال المشركين لا يعذبون لأنه تعالى إذا بكت الكافر بسببها فلأن لا يعذبها أولى . ويمكن أن يجاب بأن تعذيب الوائد للوأد من جهة أنه تصرف في ملك الله تعالى بغير حق لا ينافي تعذيب الموؤدة من جهة أخرى وهي أن حكمها في الإسلام والكفر حكم أبيها .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

بِأَيِّ ذَنۢبٖ قُتِلَتۡ٩
وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتۡ١٠

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

التاسع نشر صحف الأعمال . عن قتادة : هي صحيفتك يا ابن آدم تطوى على عملك حين موتك ثم تنشر يوم القيامة فلينظر رجل يملى في صحيفته . ويجوز أن يراد نشرت بين أصحابها أي فرقت بينهم . وعن مرثد بن وداعة : إذا كان يوم القيامة تطايرت الصحف من تحت العرش فتقع صحيفة المؤمن في يده في جنة عالية وتقع صحيفة الكافر في يده في سموم وحميم أي مكتوب فيها ذلك وهي صحف غير صحف الأعمال قاله في الكشاف .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتۡ١١
وَإِذَا ٱلۡجَحِيمُ سُعِّرَتۡ١٢
وَإِذَا ٱلۡجَنَّةُ أُزۡلِفَتۡ١٣

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

وإزلاف الجنة أي إدناؤها . استدل بعضهم بالآية على أن النار غير مخلوقة الآن لأنه علق تسعيرها بيوم القيامة ، ويمكن المعارضة بأنها تدل على أن الجنة مخلوقة وإلا لم يمكن إزلافها على أن تعليق تسعير الجحيم بيوم القيامة لا ينافي وجودها قبل ذلك غير موقدة ايقاداً شديداً . وقيل : يسعرها غضب الله عز وجل وخطايا بني آدم .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

عَلِمَتۡ نَفۡسٞ مَّآ أَحۡضَرَتۡ١٤

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

وقوله { علمت نفس ما أحضرت } كقوله { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً } [ آل عمران :30 ] والتنوين في { نفس } للتقليل على أنه مفيد للتكثير بحسب المقام نحو { قد يعلم الله } [ النور :63 ]{ ربما يود الذين كفروا } [ الحجر :2 ] ويجوز عندي أن يكون للتعظيم أو للنوع يعني النفس الإنسانية لا النباتية ولا الحيوانية ولا الفلكية عند القائلين بها . وإسناد الإحضار إلى الأنفس مجاز لأن الملائكة أحضروها في الصحف أو في الموازين إلا أنها لما تسبب منها ذلك أسند إليها على أن آثار أعمالها إنما تلوح عليها .

قال أهل التأويل : هذه الأحوال يمكن اعتبارها في وقت القيامة الصغرى وهي حالة الموت ، فالشمس النفس الناطقة ، وتكويرها قطع تعلقها ، وانكدار النجوم تساقط القوى ، وتسيير الجبال انعزال الأعضاء الرئيسة عن أفعالها ، والعشار البدن يهمل أمرها ، وحشر الوحوش ظهور نتائج الأفعال البهيمية والسبعية على الشخص ، وتسجير البحار نفاد الأوهام الباطلة والأماني الفارغة فإنه بحر لا ساحل له دون الموت الاختياري أو الاضطراري ، وتزويج النفوس انضمام كل ملكة إلى جنسها الظلمة إلى الظلمة والنور إلى النور ، والموؤدة القوّة التي ضيعها المكلف في غير ما خلقت لأجله . وسمعت بعض المحققين من أساتذتي أنها كل مسألة سنحت للخاطر ولم تقيد بالكتابة حتى غابت . والسماء سماء الأرواح والباقي ظاهر .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

فَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلۡخُنَّسِ١٥
ٱلۡجَوَارِ ٱلۡكُنَّسِ١٦

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

والكنس جمع كانس . والأكثرون على أنها السيارات الخمسة الجاريات مع النيرين في أفلاكها بالارتباطات المعلومة من الهيئة وقد ذكرنا طرفاً منها في البقرة بقوله { إن في خلق السماوات والأرض } [ الآية :164 ] وفي قوله { فسواهن سبع سموات } [ البقرة :29 ] فخنوسها رجوعها ومنه الخناس للشيطان ، وكنوسها اختفاؤها تحت ضوء الشمس ومنه كنس الوحش إذا دخل كناسه . والمنجمون يسمون زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد متحيرة لمشاهدة الوقوف والرجوع منها بعد الاستقامة وهي حركتها الخاصة من المغرب إلى المشرق على توالي البروج أي من الحمل إلى الثور ثم إلى الجوزاء وهكذا على الترتيب . فإذا تحركت القهقري بعكس هذا الترتيب شبه الحركة اليومية . يقال : إنها راجعة أقسم الله بها إذ أحوالها أغرب ورباطاتها مع الشمس أعجب كما بين في ذلك العلم . وعن علي رضي الله عنه وهو قول عطاء ومقاتل وقتادة أنها هي جميع الكواكب وخنوسها غيبتها عن البصر بالنهار وكنوسها ظهورها للبصر في الليل كما يظهر الوحش من كناسه . وعن ابن مسعود والنخعي أنها بقر الوحش وخنوسها صفة لأنوفها ومنه " رجل أخنس وامرأة خنساء " وفي هذا القول بعد عن الخنس المقسم بها لأنه لا يناسب ما بعده . وقال أهل التأويل : هي الحواس الخمس تظهر آثارها تارة وتغيب أخرى .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

وَٱلَّيۡلِ إِذَا عَسۡعَسَ١٧
وَٱلصُّبۡحِ إِذَا تَنَفَّسَ١٨
إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ١٩

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

والضمير في { إنه } للقرآن ، والرسول الكريم جبرائيل ، وكرمه على ربه أن جعله واسطة بينه وبين أشرف عباده وهم الأنبياء ، وكرمه في نفسه أنه لا يدل إلا على الخير والكمال . ومعنى كون القرآن قول جبرائيل أنه وصل منه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن النزاع وقع من الكفرة في أنه قول محمد أو هو من السماء فأثبت الثاني ليلزم نفي الأول . وفي لفظ رسوله دلالة على أنه ليس قوله بالاستقلال .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 29

ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلۡعَرۡشِ مَكِينٖ٢٠