تفسير القرآن للسمعاني

السمعاني القرن الخامس الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 582

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ١

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة النبأ

وهي مكية

قوله تعالى : ( عم يتساءلون عن النبأ العظيم ) معناه : عن ما يتساءلون فأدغمت النون في الميم ، وأسقطت الألف فصار عم . قال الزجاج : لفظه لفظ الاستفهام ، والمعنى تفخيم القصة مثل القائل : أي شيء زيد ؟ وفي التفسير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث ودعا المشركين إلى التوحيد جعل بعضهم يسأل بعضا فبماذا بعث محمد ؟ وإلى ماذا يدعو ؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية . ومعنى يتساءلون أي : يسأل بعضهم بعضا . وقوله : ( عن النبأ العظيم ) قيل معناه : عن النبأ العظيم : واختلف القول في النبأ العظيم : روى أبو صالح عن ابن عباس : أنه القرآن ، وعن قتادة : أنه البعث ، وهو قول أبي العالية والربيع بن أنس وجماعة ، وعن الحسن أنه قال : هو النبوة ، والقولان الأولان معروفان .

عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ٢
ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ٣

وقوله : ( الذي هم فيه مختلفون ) أي : منهم المصدق ، ومنهم المكذب .

كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٤

وقوله : ( كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ) قال الحسن : هو تهديد بعد تهديد . وعن الضحاك قال : قوله : ( كلا سيعلمون ) أي : الكفار . وقوله : ( ثم كلا سيعلمون ) أي : المؤمنون ، والظاهر أنهما جميعا للكفار .

ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٥
أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا٦

قوله تعالى : ( ألم نجعل الأرض مهادا ) لما أخبر الله تعالى باختلافهم في القرآن والقيامة - وكان اختلافهم في البعث بالتصديق والتكذيب - واختلافهم في القرآن أنه سحر أو شعر أو كهانة ، فذكر الله تعالى الدلائل عليهم في التوحيد ، وأن ما أنزله حق وصدق ، وعدد نعمه عليهم ، ليعترفوا به ويشكروه . قوله تعالى : ( مهادا ) أي : بساطا وفراشا والنعمة في تذليلها وتوطئتها لهم .

وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا٧

وقوله : ( والجبال أوتادا ) قال ابن عباس : لما خلق الله تعالى الأرض جعلت تكفأ - وحرك ابن عباس يده - فخلق الله الجبال وأرساها بها - أي : أثبتها - فهي أوتاد الأرض ، كما يثبت الشيء على الحائط بالوتد .

وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا٨

وقوله : ( وخلقناكم أزواجا ) أي : أصنافا وموضع النعمة هي سكون بعضهم إلى بعض ، فالرجل والمرأة زوج ، وكذلك السماء والأرض ، والليل والنهار ، وغير ذلك من الخلق ، وقيل : أزواجا أي : متآلفين ، تألفون أزواجكم ، وتألفكم أزواجكم .

وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا٩

وقوله : ( وجعلنا نومكم سباتا ) قال ثعلب : قطعا لأعمالكم ، وأصل السبات هو التمدد والسكون .

والمعنى : أنهم ينقطعون عن الحركة بالليل فيسكنون ويستريحون ، وقيل : سباتا أي : راحة .

وقال الشاعر :

ومطوية ( الأقتاب )[4764] أما نهارها *** فسبت وأما ليلها فزميل

أي قطيع[4765] .

وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا١٠

وقوله تعالى : ( وجعلنا الليل لباسا ) أي : سترا لكم ، وهو مذكور على طريق المجاز ، ووجهه أن ظلمة الليل لما غشيت كل إنسان كما يغشاه اللباس ، سماه لباسا على طريق المجاز .

وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا١١

وقوله : ( وجعلنا النهار معاشا ) أي : مبتغى معاش ومطلب معاش ، والمعنى : أنه الزمان الذي يعيشون وينصرفون فيه .

وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا١٢

وقوله : ( وبنينا فوقكم سبعا شدادا ) أي : السماوات السبع .

وقوله : ( شداد ) أي : صلبة ، وفي الآثار : أن غلط كل سماء مسيرة خمسمائة عام .

وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا١٣

وقوله : ( وجعلنا سراجا وهاجا ) أي : جعلنا الشمس وقادا متلألئا .

وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا١٤

وقوله : ( وأنزلنا من المعصرات ماء ) قال ابن عباس : هي الرياح ، وتسميتها بهذا الاسم ؛ لأن الرياح تلقح السحاب ليكون فيه المطر ، فكأن المطر كان من الرياح ، والقول الثاني : أن المعصرات هي السحاب ، وهو مروي عن ابن عباس أيضا ، وهو قول مجاهد وجماعة . قال المبرد : تسميته بالمعصرات ، لأنه ينعصر بالمطر شيئا فشيئا ، وقيل : من المعصرات أي : بالمعصرات ماء ثجاجا .

وقوله[4766] : ( ثجاجا ) أي : منصبا بعضه في إثر بعض . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الحج العج والثج " [4767] فالعج رفع الصوت بالتلبية ، والثج إراقة الدماء . وعن قتادة : أن المعصرات هو السماء ، وهو قول غريب .

لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا١٥

قوله : ( لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ) أي : ملتفة ، وواحد الألفاف لف ، والملتفة هي الداخل بعضها في بعض .

وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا١٦
إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا١٧

قوله تعالى : ( إن يوم الفصل كان ميقاتا ) أي : ميعادا للخلائق ، وهو يوم القيامة .

يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا١٨

وقوله : ( يوم ينفخ في الصور ) ذكر النقاش في تفسيره : أن إسرافيل - عليه السلام - ينزل فيجلس على صخرة بيت المقدس ، وتجعل الأرواح في الصور كأمثال النحل ، واستدارة فم الصور كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام ، ثم ينفخ فتخرج الأرواح منها ، وترجع إلى أجسادها . وقوله : ( فتأتون أفواجا ) قال مجاهد : زمرا زمرا .

وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا١٩

وقوله : ( وفتحت السماء ) أي : جعلت طرقا ، و قيل : فتحت أبواب السماء لنزول الملائكة . وقوله : ( فكانت أبوابا ) أي كانت طرقا على ما بينا .

وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا٢٠

وقوله : ( وسيرت الجبال فكانت سرابا ) أي : هباء منبثا ، وقيل : هو يصير كالسراب ترى أنه شيء وليس بشيء .