التفسير الميسر لمجموعة من العلماء

التفسير الميسر القرن الخامس عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 477

حمٓ١

{ حم ( 1 ) }

( حم ) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة .

تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ٢

{ تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( 2 ) }

هذا القرآن الكريم تنزيل من الرحمن الرحيم ، نزَّله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ٣

{ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( 3 ) }

كتاب بُيِّنت آياته تمام البيان ، وَوُضِّحت معانيه وأحكامه ، قرآنًا عربيًا ميسَّرًا فهمه لقوم يعلمون اللسان العربي .

بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ٤

{ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ( 4 ) }

بشيرًا بالثواب العاجل والآجل لمن آمن به وعمل بمقتضاه ، ونذيرًا بالعقاب العاجل والآجل لمن كفر به ، فأعرض عنه أكثر الناس ، فهم لا يسمعون له سماع قَبول وإجابة .

وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ٥

{ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ( 5 ) }

وقال هؤلاء المعرضون الكافرون للنبي محمد صلى الله عليه وسلم : قلوبنا في أغطية مانعة لنا من فهم ما تدعونا إليه ، وفي آذاننا صمم فلا نسمع ، ومن بيننا وبينك- يا محمد- ساتر يحجبنا عن إجابة دعوتك ، فاعمل على وَفْق دينك ، كما أننا عاملون على وَفْق ديننا .

قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ٦

{ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ( 6 ) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ( 7 ) }

قل لهم -يا محمد- : إنما أنا بشر مثلكم يوحي الله إليَّ أنما إلهكم الذي يستحق العبادة له ، إله واحد لا شريك له ، فاسلكوا الطريق الموصل إليه ، واطلبوا مغفرته . وعذاب للمشركين الذين عبدوا من دون الله أوثانًا لا تنفع ولا تضر ،

ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ٧

والذين لم يطهروا أنفسهم بتوحيد ربهم ، والإخلاص له ، ولم يصلُّوا ولم يزكَّوا ، فلا إخلاص منهم للخالق ولا نفع فيهم للخلق ، وهم لا يؤمنون بالبعث ، ولا بالجنة والنار ، ولا ينفقون في طاعة الله .

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُمۡ أَجۡرٌ غَيۡرُ مَمۡنُونٖ٨

{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ( 8 ) }

إن الذين آمنوا بالله ورسوله وكتابه وعملوا الأعمال الصالحة مخلصين لله فيها ، لهم ثواب عظيم غير مقطوع ولا ممنوع .

۞قُلۡ أَئِنَّكُمۡ لَتَكۡفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلۡأَرۡضَ فِي يَوۡمَيۡنِ وَتَجۡعَلُونَ لَهُۥٓ أَندَادٗاۚ ذَٰلِكَ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٩

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ( 9 ) }

قل -يا محمد- لهؤلاء المشركين موبخًا لهم ومتعجبًا من فعلهم : أإنكم لتكفرون بالله الذي خلق الأرض في يومين اثنين ، وتجعلون له نظراء وشركاء تعبدونهم معه ؟ ذلك الخالق هو رب العالمين كلهم .

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَٰسِيَ مِن فَوۡقِهَا وَبَٰرَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقۡوَٰتَهَا فِيٓ أَرۡبَعَةِ أَيَّامٖ سَوَآءٗ لِّلسَّآئِلِينَ١٠

{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ( 10 ) }

وجعل سبحانه في الأرض جبالا ثوابت من فوقها ، وبارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها ، وقدَّر فيها أرزاق أهلها من الغذاء ، وما يصلحهم من المعاش في تمام أربعة أيام : يومان خلق فيهما الأرض ، ويومان جعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها ، سواء للسائلين أي : لمن أراد السؤال عن ذلك ؛ ليعلمه .

ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٞ فَقَالَ لَهَا وَلِلۡأَرۡضِ ٱئۡتِيَا طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا قَالَتَآ أَتَيۡنَا طَآئِعِينَ١١

{ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ( 11 ) }

ثم استوى سبحانه وتعالى ، أي قصد إلى السماء وكانت دخانًا من قبلُ ، فقال للسماء وللأرض : انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين . قالتا : أتينا مذعنين لك ، ليس لنا إرادة تخالف إرادتك .

page 478

فَقَضَىٰهُنَّ سَبۡعَ سَمَٰوَاتٖ فِي يَوۡمَيۡنِ وَأَوۡحَىٰ فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمۡرَهَاۚ وَزَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنۡيَا بِمَصَٰبِيحَ وَحِفۡظٗاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ١٢

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( 12 ) }

فقضى الله خلق السموات السبع وتسويتهن في يومين ، فتم بذلك خلق السموات والأرض في ستة أيام ، لحكمة يعلمها الله ، مع قدرته سبحانه على خلقهما في لحظة واحدة ، وأوحى في كل سماء ما أراده وما أمر به فيها ، وزيَّنا السماء الدنيا بالنجوم المضيئة ، وحفظًا لها من الشياطين الذين يسترقون السمع ، ذلك الخلق البديع تقدير العزيز في ملكه ، العليم الذي أحاط علمه بكل شيء .

فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَقُلۡ أَنذَرۡتُكُمۡ صَٰعِقَةٗ مِّثۡلَ صَٰعِقَةِ عَادٖ وَثَمُودَ١٣

{ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ( 13 ) }

فإن أعرض هؤلاء المكذبون بعدما بُيَّن لهم من أوصاف القرآن الحميدة ، ومن صفات الله العظيم ، فقل لهم : قد أنذرتكم عذابًا يستأصلكم مثل عذاب عاد وثمود حين كفروا بربهم وعصوا رسله .

إِذۡ جَآءَتۡهُمُ ٱلرُّسُلُ مِنۢ بَيۡنِ أَيۡدِيهِمۡ وَمِنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ قَالُواْ لَوۡ شَآءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَـٰٓئِكَةٗ فَإِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ١٤

{ إِذْ جَاءَتْهُمْ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ( 14 ) }

حين جاءت الرسل عادًا وثمود ، يتبع بعضهم بعضًا متوالين ، يأمرونهم بعبادة الله وحده لا شريك له ، قالوا لرسلهم : لو شاء ربنا أن نوحده ولا نعبد من دونه شيئًا غيره ، لأنزل إلينا ملائكة من السماء رسلا بما تدعوننا إليه ، ولم يرسلكم وأنتم بشر مثلنا ، فإنا بما أرسلكم الله به إلينا من الإيمان بالله وحده جاحدون .

فَأَمَّا عَادٞ فَٱسۡتَكۡبَرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُواْ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَجۡحَدُونَ١٥

{ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ( 15 ) }

فأما عاد قوم هود فقد استعلَوا في الأرض على العباد بغير حق ، وقالوا في غرور : مَن أشد منا قوة ؟ أولم يروا أن الله تعالى الذي خلقهم هو أشدُّ منهم قوة وبطشًا ؟ وكانوا بأدلتنا وحججنا يجحدون .

فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحٗا صَرۡصَرٗا فِيٓ أَيَّامٖ نَّحِسَاتٖ لِّنُذِيقَهُمۡ عَذَابَ ٱلۡخِزۡيِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَعَذَابُ ٱلۡأٓخِرَةِ أَخۡزَىٰۖ وَهُمۡ لَا يُنصَرُونَ١٦

{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ ( 16 ) }

فأرسلنا عليهم ريحًا شديدة البرودة عالية الصوت في أيام مشؤومات عليهم ؛ لنذيقهم عذاب الذل والهوان في الحياة الدنيا ، ولَعذاب الآخرة أشد ذلا وهوانًا ، وهم لا يُنْصَرون بمنع العذاب عنهم .

وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ فَأَخَذَتۡهُمۡ صَٰعِقَةُ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ١٧

{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ( 17 ) }

وأما ثمود قوم صالح فقد بينَّا لهم سبيل الحق وطريق الرشد ، فاختاروا العمى على الهدى ، فأهلكتهم صاعقة العذاب المهين ؛ بسبب ما كانوا يقترفون من الآثام بكفرهم بالله وتكذيبهم رسله .

وَنَجَّيۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ١٨

{ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ( 18 ) }

ونجَّينا الذين آمنوا من العذاب الذي أخذ عادًا وثمود ، وكان هؤلاء الناجون يخافون الله ويتقونه .

وَيَوۡمَ يُحۡشَرُ أَعۡدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ١٩

{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ( 19 ) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ( 20 ) }

ويوم يُحشر أعداء الله إلى نار جهنم ، تَرُدُّ زبانية العذاب أولَهم على آخرهم ،

حَتَّىٰٓ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيۡهِمۡ سَمۡعُهُمۡ وَأَبۡصَٰرُهُمۡ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٢٠

حتى إذا ما جاؤوا النار ، وأنكروا جرائمهم شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون في الدنيا من الذنوب والآثام .