فصل : في الاستعاذة
قد أمر الله عز وجل بالاستعاذة عند القراءة بقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [ النحل : 98 ] ومعناه : إذا أردت القراءة . ومعنى أعوذ : ألجأ وألوذ .
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وقرأ عليه أبيّ بن كعب أم القرآن ، فقال : ( والذي نفسي بيده ، ما أنزل في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في الزبور ، ولا في الفرقان مثلها ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته ) .
فمن أسمائها : الفاتحة ، لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة . ومن أسمائها أم القرآن ، وأم الكتاب ، لأنها أمت الكتاب بالتقدم . ومن أسمائها : السبع المثاني ، وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في ( الحجر ) إن شاء الله .
واختلف العلماء في نزولها على قولين .
أحدهما : أنها مكية ، وهو مروي عن علي بن أبي طالب ، والحسن ، وأبي العالية ، وقتادة ، وأبي ميسرة .
والثاني : أنها مدنية ، وهو مروي عن أبي هريرة ، ومجاهد ، وعبيد بن عمير ، وعطاء الخراساني .
وعن ابن عباس كالقولين .
فصل في : بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن عمر : " نزلت في كل سورة " . وقد اختلف العلماء : هل هي آية كاملة ، أم لا ؟ وفيه عن أحمد روايتان . واختلفوا : هل هي من الفاتحة ، أم لا ؟ فيه عن أحمد روايتان أيضا . فأما من قال : إنها من الفاتحة ، فإنه يوجب قراءتها في الصلاة إذا قال بوجوب الفاتحة ، وأما من لم يرها من الفاتحة ، فإنه يقول : قراءتها في الصلاة سنة . ما عدا مالكا فإنه لا يستحب قراءتها في الصلاة .
واختلفوا في الجهر بها في الصلاة فيما يجهر به ، فنقل جماعة عن أحمد : أنه لا يسن الجهر بها ، وهو قول أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وابن مسعود ، وعمار بن ياسر ، وابن مغفل ، وابن الزبير ، وابن عباس ، وقال به من كبراء التابعين ومن بعدهم : الحسن ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والأعمش ، وسفيان الثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأبو عبيد في آخرين .
وذهب الشافعي إلى أن الجهر مسنون ، وهو مروي عن معاوية بن أبي سفيان ، وعطاء ، وطاووس ، ومجاهد .
فأما تفسيرها :
فقوله :{ بسم الله } اختصار ، كأنه قال : أبدأ بسم الله . أو : بدأت باسم الله . وفي الاسم خمس لغات : اسم بكسر الألف ، وأسم بضم الألف إذا ابتدأت بها ، وسم بكسر السين ، وسم بضمها ، وسما . قال الشاعر :
والله أسماك مباركا *** آثرك الله به إيثاركا
وأنشدوا :
باسم الذي في كل سورة سمه *** . . .
قال الفراء : بعض قيس يقولون : سمه ، يريدون : اسمه ، وبعض قضاعة يقولون : سمه . أنشدني بعضهم :
وعامنا أعجبنا مقدمه *** يدعى أبا السمح وقرضاب سمه
والقرضاب : القطاع ، يقال : سيف قرضاب .
واختلف العلماء في اسم الله الذي هو { الله } :
فقال قوم : إنه مشتق ، وقال آخرون : إنه علم ليس بمشتق . وفيه عن الخليل روايتان . إحداهما : أنه ليس بمشتق ، ولا يجوز حذف الألف واللام منه كما يجوز من الرحمن . والثانية : رواها عنه سيبويه : أنه مشتق . وذكر أبو سليمان الخطابي عن بعض العلماء أن أصله في الكلام مشتق من : أله الرجل يأله : إذا فزع إليه من أمر نزل به . فألهه ، أي : أجاره وأمنه ، فسمي إلها كما يسمى الرجل إماما . وقال غيره : أصله ولاه . فأبدلت الواو همزة فقيل : إله كما قالوا : وسادة وإسادة ، ووشاح وإشاح .
واشتق من الوله ، لأن قلوب العباد توله نحوه . كقوله تعالى : { ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } [ النحل : 53 ] . وكان القياس أن يقال : مألوه ، كما قيل : معبود ، إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون علما ، كما قالوا للمكتوب : كتاب ، وللمحسوب : حساب . وقال بعضهم : أصله من : أله الرجل يأله إذا تحير ، لأن القلوب تتحير عند التفكر في عظمته .
وحكي عن بعض اللغويين : أله الرجل يأله إلاهة ، بمعنى : عبد يعبد عبادة .
وروي عن ابن عباس أنه قال : { وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ } [ الأعراف : 127 ] أي : عبادتك . قال : والتأله : " التعبد " قال رؤبة :
لله در الغانيات المده *** سبحن واسترجعن من تألهي
فمعنى الإله : المعبود .
فأما{ الرحمن } : فذهب الجمهور إلى أنه مشتق من الرحمة ، مبني على المبالغة ، ومعناه : ذو الرحمة التي لا نظير له فيها .
وبناء فعلان في كلامهم للمبالغة ، فإنهم يقولون للشديد الامتلاء : ملآن ، وللشديد الشبع : شبعان .
قال الخطابي : ف{ الرحمن } : ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم ومصالحهم ، وعمت المؤمن والكافر .
و{ الرحيم } : خاص للمؤمنين . قال عز وجل : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً } [ الأحزاب : 43 ] . والرحيم : بمعنى الراحم .