الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي

السمين الحلبي القرن الثامن الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 583

وَٱلنَّـٰزِعَٰتِ غَرۡقٗا١

قوله : { غَرْقاً } : يجوزُ فيه أَنْ يكونَ مصدراً على حَذْفِ الزوائد بمعنى : إغْراقاً ، وانتصابُه بما قبلَه لملاقاتِه له في المعنى ، وإمَّا على الحالِ ، أي : ذواتَ إغْراقٍ . يُقال : أَغْرَقَ في الشيءِ يُغْرِقُ فيه إذا أَوْغَلَ وبَلَغَ أقصى غايتِه . ومنه : أغرقَ النازعُ في القَوْسِ ، أي : بلغَ غايةَ المَدِّ .

وَٱلنَّـٰشِطَٰتِ نَشۡطٗا٢

ونَشْطاً وسَبْحاً وسَبْقاً كلُّها مصادرُ . والنَّشْطُ : الرَّبْطُ ، والإِنْشاطُ : الحَلُّ . يقال : نَشَطَ البعيرَ : رَبَطه ، وأَنْشَطَه : حَلَّه ، ومنه : " كأنما أنشط مِنْ عقال " . فالهمزةُ للسَّلْبِ . ونَشِطَ : ذَهَبَ بسُرْعَةٍ . ومنه قيل لبقر الوَحْش : نَواشِط . قال هِمْيان بن قُحافة :

أرى همومي تَنْشِطُ المَناشِطا *** الشَّامَ بي طَوْراً وطَوْراً واسِطا

وَنَشَطْتُ الحَبْلَ أَنْشِطُه أُنْشُوْطَة : عَقَدْتُه ، وأَنْشَطْتُه مَدَدْتُه ، ونَشَطَ كأَنْشَط . قال الزمخشري : " تُنْشِطُ الأرواحَ ، أي : تُخْرِجُها ، مِنْ نَشَطَ الدَّلْوَ مِنْ البئرِ إذا أَخْرجَها " .

وَٱلسَّـٰبِحَٰتِ سَبۡحٗا٣
فَٱلسَّـٰبِقَٰتِ سَبۡقٗا٤
فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرٗا٥

و " أَمْراً " مفعولٌ بالمُدَبِّراتِ . وقيل : حال : تُدَبِّرُهُ مَأْموراتٍ ، وهو بعيدٌ . والمرادُ بهؤلاء : إمَّا طوائِفُ الملائكةِ ، وإمَّا طوائِفُ خَيْلِ الغُزاةِ ، وإمَّا النجومُ ، وإمَّا المنايا ، وإمَّا بَقَرُ الوَحْشِ ، وما جَرَى مَجْراها لسُرْعَتِها ، وإمَّا أرواحُ المؤمنين .

يَوۡمَ تَرۡجُفُ ٱلرَّاجِفَةُ٦

قوله : { يَوْمَ تَرْجُفُ } : منصوبٌ بفعلٍ مقدَّرٍ ، هو جوابُ القسم تقديره : لَتْبُعَثُنَّ ، لدلالةِ ما بعدَه عليه ، قال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : كيف جَعَلْتَ " يومَ تَرْجُفُ " ظرفاً للمُضْمرِ الذي هو لَتُبْعَثُنَّ ، ولا يُبْعَثُون عند النَّفْخَةِ الأولى ؟ قلت : المعنى : لتُبْعَثُنَّ في الوقتِ الواسعِ الذي تقع فيه النَّفْختان ، وهم يُبْعَثُون في بعض ذلك الوقتِ الواسعِ ، وهو وقتُ النَّفْخَةِ الأخرى ، ودلَّ على ذلك أنَّ قولَه : " تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ " جُعِل حالاً عن " الراجفة " . وقيل : العاملُ مقدَّرٌ غيرُ جوابٍ ، أي : اذكُرْ يومَ تَرْجُفُ . وفي الجوابِ على هذا أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه قولُه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً } [ النازعات : 26 ] . واستقبحه أبو بكر بن الأنباريِّ لطولِ الفَصْل . الثاني : أنه قولُه : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } [ النازعات : 15 ] لأنَّ " هل " بمعنى " قد " . وهذا غَلَطٌ ؛ لأنَّه كما قدَّمْتُ لك في { هَلْ أَتَى } [ الإنسان : 1 ] أنها لا تكونُ بمعنى " قد " ، إلاَّ في الاستفهام ، على ما قال الزمخشري . الثالث : أنَّ الجواب { تَتْبَعُهَا } [ النازعات : 7 ] وإنما حُذِفَتِ اللامُ ، والأصلُ : لَيَوْمَ تَرْجُفُ الراجفةُ تَتْبَعُها ، فحُذِفَتِ اللامُ ، ولم تَدْخُلْ نونُ التوكيدِ على " تَتْبَعُها " للفَصْلِ بين اللامِ المقدَّرَةِ وبين الفعلِ المُقْسَمِ عليه بالظرفِ . ومثلُه { لإِلَى الله تُحْشَرُونَ } [ آل عمران : 158 ] . وقيل : في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ ، أي : يومَ تَرْجُفُ الراجِفَةُ تَتْبَعُها الرادِفَةُ والنازعاتِ .

وقال أبو حاتم : " هو على التقديم والتأخيرِ كأنه قال : فإذا هُمْ بالسَّاهِرَةِ والنَّازعاتِ " . قال ابن الأنباري : " هذا خطأٌ ؛ لأنَّ الفاءَ لا يُفْتَتَحُ بها الكلامُ " . وقيل : " يومَ " منصوبٌ بما دَلَّ عليه " واجِفَةٌ " ، أي : يومَ تَرْجُفُ وَجِفَت . وقيل : بما دَلَّ عليه خاشع ، أي : يومَ تَرْجُفُ خَشَعَتْ .

تَتۡبَعُهَا ٱلرَّادِفَةُ٧

قوله : { تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ } : يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً من الراجفة ، وأَنْ تكونَ مستأنفةً .

قُلُوبٞ يَوۡمَئِذٖ وَاجِفَةٌ٨

قوله : { قُلُوبٌ } : مبتدأٌ ، و " يومئذٍ " منصوبٌ ب " واجفةٌ " ، وواجفة صفةُ القلوبِ ، وهو المُسَوِّغُ للابتداءِ بالنكرةِ و " أَبْصارُها " مبتدأٌ ثانٍ ، و " خاشِعة " خبرُه ، وهو وخبرُ الأولِ . وفي الكلامِ حَذْفُ مُضافٍ تقديرُه : أبصارُ أصحابِ القلوب . وقال ابنُ عطية : " وجاز ذلك ، أي : الابتداءُ بقلوب لأنَّها تخصَّصَتْ بقولِه : " يومئذٍ " . ورَدَّ عليه الشيخُ : بأنَّ ظرفَ الزمانِ لا يُخَصِّصُ الجثثَ ، يعني لا تُوصف به الجثثُ . والواجفةُ : الخائفةُ . يقال : وَجَفَ يَجِفُ وَجيفاً ، وأصلُه اضطرابُ القَلْبِ وقَلَقُه . قال قيسُ بن الخطيم :

إنَّ بني جَحْجَبَى وأُسْرَتَهُمْ *** أكبادُنا مِنْ ورائِهم تَجِفُ

/وعن ابن عباس : واجِفَةٌ : خائفةٌ ، بلغة هَمْدان . ويُقال : وَجَبَ وَجيباً ، بالباءِ الموحدةِ بدلَ الفاءِ .

أَبۡصَٰرُهَا خَٰشِعَةٞ٩
يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ١٠

قوله : { فِي الْحَافِرَةِ } : الحافِرَة : الطريقةُ التي يَرْجِعُ الإِنسانُ فيها من حيث جاء . يقال : رَجَعَ في حافرتِه ، وعلى حافرته . ثم يُعَبَّرُ بها عن الرجوعِ بالأحوال مِنْ آخرِ الأمرِ إلى أوَّلِه . قال :

أحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ *** معاذَ اللَّهِ مِنْ سَفَهٍ وعارِ

وأصلُه : أنَّ الإِنسان إذا رَجَعَ في طريقِه أثَّرَتْ قدماه فيها حَفْراً . وقال الراغب : " وقولُه في الحافرة مَثَلٌ لمَنْ يُرَدُّ مِنْ حيث جاء ، أي : أنَحْيا بعد أن نموتَ ؟ وقيل : الحافرةُ : الأرضُ التي [ جُعِلَتْ ] قبورُهم فيها ومعناه : أإنَّا لَمَرْدُودون ونحن في الحافِرة ؟ أي : في القبور . وقولُه : " في الحافرة " على هذا في موضعِ الحال . وقيل : رَجَع فلانٌ على حافِرَتِه ، ورَجَع الشيخُ إلى حافرته ، أي : هَرِمَ ، كقولِه : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } [ النحل : 70 ] . وقولُهم : " النَّقْدُ عند الحافِرة " لِما يُباع نَقْداً . وأصلُه في الفرس إذا بِيْع ، فيُقال : لا يَزُول حافِرُه أو يُنْقَدَ ثمنُه . والحَفْرُ : تَأَكُّلُ الأسنانِ . وقد حَفَر فُوه ، وقد أَحْفَر المُهْرُ للإِثْناءِ والإِرْباع ، أي : دنا لأن يكونَ ثَنِيَّاً أو رُباعياً " انتهى . والحافِرَةُ قيل : فاعِلَة بمعنى مَفْعُولة . وقيل : على النَّسَب ، أي : ذات حَفْرٍ ، والمراد : الأرضُ . والمعنى : إنَّا لمَرْدُودون في قبورنا أحياءً . وقيل : الحافرة : جَمْعُ حافِر بمعنى القَدَم ، أي : نمشي أحياءً على أقدامِنا ، وَنَطَأُ بها الأرضَ . وقيل : هي أولُ الأمرِ . وتقولُ التجَّار : " النَّقْدُ في الحافِرة " ، أي : أوَّلُ السَّوْمِ . وقال الشاعر :آلَيْتُ لا أَنْساكُمُ فاعْلَموا *** حتى تُرَدَّ الناسُ في الحافِرَهْ

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة " في الحَفِرَة " بدون ألف . فقيل : هما بمعنى . وقيل : هي الأرض التي تَغَيَّرَتْ وأنْتَنَتْ بموتاها وأجسادِهم ، مِنْ قولِهم : حَفِرت أسنانُه ، أي : تَأَكَّلَتْ وتَغَيَّرَتْ . وقد تقدَّم خلافُ القراءِ في هذَيْن الاستفهامَيْنِ في سورةِ الرعد . وقوله : " في الحافِرَة " يجوزُ تعلُّقُه بمَرْدُوْدون ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ كما تقدَّم .

أَءِذَا كُنَّا عِظَٰمٗا نَّخِرَةٗ١١

قوله : { نَّخِرَةً } : قرأ الأخَوان وأبو بكر " ناخِرَة " بألفٍ ، والباقون " نَخِرَة " بدونِها وهما كحاذِر وحَذِر ، فاعِل لمَنْ صَدرَ منه الفِعْلُ ، وفَعِل لِمَنْ كان فيه غَريزةً ، أو كالغَريزة . وقيل : ناخِرة ونَخِرة بمعنى بالية . وقيل : ناخِرَة ، أي : صارَتِ الريحُ تَنْخِرُ فيها ، أي : تُصَوِّتُ ، ونَخِرَة ، أي : تَنْخِرُ فيها دائماً . وقيل : ناخِرَة : بالِية ، ونَخِرَة : متآكلة . وعن أبي عمروٍ : الناخِرة : التي لم تَنْخَرْ بعدُ ، والنَّخِرَةُ : البالية . وقيل : الناخِرَةُ : المُصَوِّتَةُ فيها الريحُ ، والنَّخِرةُ : الباليةُ التي تَعَفَّنَتْ . قال الزمخشري : " يُقال : نَخِر العظمُ ، فهو نَخِرٌ وناخِرٌ ، كقولِك : طَمِعَ فهو طَمعٌ وطامعٌ ، وفَعِل أَبْلَغُ مِنْ فاعِل ، وقد قُرِىء بها ، وهو البالي الأجوفُ الذي تَمُرُّ فيه الرِّيحُ فيُسْمَعُ له نَخِير " . قلت : ومنه قولُه :

وأَخْلَيْتُها مِنْ مُخِّها فكأنَّها *** قواريرُ في أجوافِها الريحُ تَنْخِرُ

وقال الراجزُ لفَرَسه :

أَقْدِمْ نَجاحُ إنها الأَساوِرَهْ *** ولا يَهْوْلَنَّكَ رَحْلٌ نادِرَهْ

فإنما قَصْرُك تُرْبُ السَّاهِرَهْ *** ثم تعودُ بعدها في الحافِرَهْ

مِنْ بعدِ ما كنتَ عِظاماً ناخِرَهْ ***

ونُخْرَةُ الرِّيْح بضمِّ النون : شِدَّةُ هبوبِها ، والنُّخْرَةُ أيضاً : مُقَدَّمُ أَنْفِ الفَرَسِ والحمارِ والخِنْزير . يقال : هَشَم نُخْرَتَه ، أي : مُقَدَّمَ أَنْفِه . و " إذا " منصوبٌ بمضمرٍ ، أي : إذا كُنَّا كذا نُرَدُّ ونُبْعَثُ .

قَالُواْ تِلۡكَ إِذٗا كَرَّةٌ خَاسِرَةٞ١٢

قوله : { تِلْكَ } : مبتدأٌ مُشارٌ بها إلى الرَّجْفة والرَّدَّة في الحافِرة . و " كَرَّةٌ " . خبرُها . و " خاسِرَةٌ " صفةٌ ، أي : ذاتُ خُسْرانٍ ، أو أُسْنِدَ إليها الخَسارُ ، والمرادُ : أصحابُها ، مجازاً . والمعنى : إنْ كان رجوعُنا إلى القيامةِ حَقَّاً فتلك الرَّجْعَةُ رَجْعَةٌ خاسِرَةٌ ، وهذا أفادَتْه " إذَنْ " فإنها حرفُ جوابٍ وجزاءٍ عند الجمهور . وقيل : قد لا تكونُ جواباً . وعن الحسنِ : إنَّ " خاسرة " بمعنى كاذِبة .

فَإِنَّمَا هِيَ زَجۡرَةٞ وَٰحِدَةٞ١٣

قوله : { فَإِنَّمَا هِيَ } : " هي " ضميرُ الكَرَّة ، أي : لا تَحْسَبوا تلك الكرَّةَ صعبةً على اللَّهِ تعالى . وقال الزمخشري : " فإنْ قلتَ : بِمَ تَعَلَّقَ قولُه : " فإنما هي " ؟ قلت : بمحذوفٍ معناه : لا تَسْتَصْعِبوها ، فإنما هي زَجْرَةٌ " . قلت : يعني بالتعلُّقِ من حيث المعنى ، وهو العطفُ .

فَإِذَا هُم بِٱلسَّاهِرَةِ١٤

قوله : { فَإِذَا هُم } : المفاجأةُ والتَّسَبُّبُ هنا واضحان والسَّاهرة قيل : وجهُ الأرضِ ، والفَلاةُ ، وُصِفَتْ بما يقع فيها ، وهو السَّهَرُ لأجلِ الخوفِ . وقيل : لأنَّ السَّرابَ يَجْري فيها ، مِنْ قولِهم : عَيْنٌ ساهرَةٌ . قال الزمخشري : " والسَّاهرةُ : الأرضُ البيضاءُ المستويةُ ، سُمِّيَتْ بذلك ؛ لأنَّ السَّرابَ يجري فيها ، مِنْ قولهم/ عينٌ ساهِرَةٌ جارِيةُ الماء ، وفي ضَدِّها نائمةٌ . قال الأشعت بن قيس :

وساهِرَةٍ يُضْحِي السَّرابُ مُجَلِّلاً *** لأَقْطارِها قد جُبْتُها مُتَلَثِّما

أو لأنَّ ساكنَها لا ينامُ ، خَوْفَ الهَلَكَة " انتهى . وقال أمية :

وفيها لَحْمُ ساهِرَةٍ وبَحْرٍ *** وما فاهوا لهمْ فيها مُقيمُ

يريد : لحمُ حيوانِ أرضٍ ساهرةٍ . وقال أبو كبير الهذلي :

يَرْتَدْنَ ساهِرَةً كأنَّ جَميمَها *** وعَمِيْمَها أسْدافُ ليلٍ مُظْلِمٍ

قال الراغب : " هي وَجْهُ الأرضِ . وقيل : أرضُ القيامةِ . وحقيقَتُها التي يَكْثُرُ الوَطْءُ بها ، كأنَّها سَهِرَتْ مِنْ ذلك ، إشارةً إلى نحوِ قولِ الشاعر :

4489 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** تَحَرَّكَ يَقْظانُ الترابِ ونائِمُهْ

والأَسْهَران : عِرْقان في الأنفِ " انتهى . والسَّاهُوْر : غلافُ القَمَرِ الذي يَدْخُل فيه عند كُسوفِه . قال :

4490 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** أو شُقَّةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ بَطْنِ ساهُوْرِ

أي : هذه المرأةُ بمنزلةِ قطعةِ القمر . وقال أميَّةُ :

4491 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** قَمَرٌ وساهُوْرٌ يُسَلُّ ويُغْمَدُ

هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ١٥
إِذۡ نَادَىٰهُ رَبُّهُۥ بِٱلۡوَادِ ٱلۡمُقَدَّسِ طُوًى١٦

قوله : { إِذْ نَادَاهُ } : " إذ " منصوبٌ ب " حديثُ " لا ب " أتاك " لاختلافِ وقتَيْهما . وتقدَّم الكلامُ في { طُوًى } [ الآية : 12 ] في طه .

page 584

ٱذۡهَبۡ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ١٧

قوله : { اذْهَبْ } : يجوزُ أَنْ يكونَ تفسيراً للنداءِ . ويجوزُ أن يكونَ على إضمارِ القولِ . وقيل : هو على حَذْفِ " أَنْ " ، أي : أَنْ اذهَبْ . ويَدُلُّ له قراءةُ عبد الله : " أَنْ اذْهَبْ " . و " أَنْ " هذه الظاهرةُ أو المقدرةُ يُحتمل أَنْ تكونَ تفسيريةً ، وأَنْ تكونَ مصدريةً ، أي : ناداه بكذا .

فَقُلۡ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ١٨

قوله : { هَل لَّكَ } : خبرُ مبتدأ مضمرٍ . و " إلى أَنْ " متعلقٌ بذلك المبتدأ ، وهو حَذْفٌ شائعٌ . والتقدير : هل لك سبيلٌ إلى التزكية ومثله : " هل لك في الخير " يريدون : هل لك رغبةٌ في الخير . وقال الشاعر :

فهل لكمُ فيها إليَّ فإنَّني *** بَصيرٌ بما أَعْيا النِّطاسِيَّ حِذْيَما

وقال أبو البقاء : " لَمَّا كان المعنى : أَدْعوك جاء ب " إلى " . وهذا لا يُفيدُ شيئاً في الإِعراب . وقرأ نافعٌ وابنُ كثير بتشديدِ الزاي مِنْ " تَزَّكَّى " والصادِ مِنْ " تَصَّدَّى " في السورةِ تحتها . والأصلُ : تتزَكَّى وتتصَدَّى ، فالحَرَمِيَّان أدغما ، والباقون حَذَفُوا نحو : { تَنَزَّلُ } [ القدر : 4 ] . وتقدَّم الخلافُ في أيَّتِهما المحذوفةِ .

وَأَهۡدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخۡشَىٰ١٩
فَأَرَىٰهُ ٱلۡأٓيَةَ ٱلۡكُبۡرَىٰ٢٠