ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول ، عليه السلام ، من آيات الله ، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة ، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم ، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول ، عليه السلام ، إليهم ؛ فبدأ بقوم نوح ، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض ، وعطف على قومه الأحزاب ، وهم الذين تحزبوا على الرسل .
ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله ، ومنهم : عاد وثمود وفرعون وأتباعه ، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل ، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل .
وقرأ الجمهور : { برسولهم } ؛ وقرأ عبد الله : برسولها ، عاد الضمير إلى لفظ أمة .
{ ليأخذوه } : ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل .
وقال ابن عباس : ليأخذوه : ليملكوه ، وأنشد قطرب :
فإما تأخذوني تقتلوني *** فكم من آخذ يهوى خلودي
ويقال للقتيل والأسير : أخيذ .
وقال قتادة : { ليأخذوه } : ليقتلوه ، عبر عن المسبب بالسبب .
{ وجادلوا بالباطل } : أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له .
وقيل : الباطل : الكفر .
وقيل : الشيطان .
وقيل : بقولهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } { ليدحضوا } : ليزلقوا ، { به الحق } : أي الثابت الصدق .
{ فأخذتهم } : فأهلكتهم .
{ فكيف كان عقاب } إياهم ، استفهام تعجيب من استصالهم ، واستعظام لما حل بهم ، وليس استفهاماً عن كيفية عقابهم ، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم ؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة ، والأصل عقابي .