فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن لزكريا الأنصاري

زكريا الأنصاري القرن العاشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 1

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ١

قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم }( [2] ) [ الفاتحة : 1 ] أي أبتدئُ . وتقدير العامل مؤخرا كما صنعت أولى من تقديمه ، ليفيد الاختصاص ، والاهتمام بشأن المقدَّم .

وإنما قُدّم في قوله : «إقرأ باسم ربك » للاهتمام بالقرآن ، لأن ذلك أوّل سورة نزلت .

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢
ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ٣

قوله تعالى { الرحمن الرحيم } [ الفاتحة : 3 ] كرّره لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج ، وذكر في الآية الأولى المُنعم دون المُنعَم عليهم ، وأعادها مع ذكرهم بقوله : { ربّ العالمين } [ الفاتحة : 2 ] إلخ .

فإن قلتَ : الرحمن أبلغ من الرحيم فكيف قدّمه ؟ وعادة العرب في صفات المدح الترقّي من " الأدنى " إلى " الأعلى " كقولهم : فلان عالم نِحرير . . لأن ذكر الأعلى أولا ، ثم الأدنى ، لم يتجدد بذكر الأدنى فائدة ، بخلاف عكسه ؟   !

قلت : إن كانا بمعنى واحد كندمان ونديم ، كما قال الجوهري وغيره فلا إشكال ، أو بأن " الرحمن " أبلغ كما عليه الأكثر( [3] ) ، فإنما قدّمه لأنه اسم خاص بالله تعالى كلفظ " الله " .

مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ٤
إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ٥

قوله تعالى : { وإياك نستعين } [ الفاتحة : 5 ) كرّر { إيّاك } [ الفاتحة : 5 ] لأنه لو حذفه في الثاني لفاتت فائدة التقديم ، وهي قطع الإشراك بين العامِلَين ، إذ لو قال : «إيّاك نعبد ونستعين » لم يظهر أن التقدير إيّاك نعبد وإيّاك نستعين . . . أو إيّاك نعبد ونستعين  ! !

فإن قلتَ : إذا كان " نستعينك " مفيدا لقطع الاشتراك بين العامِلَين ، فلِمَ عدَل عنه مع أنه أخصر ، إلى " وإيّاك نستعين " ؟

قلتُ : عدل إليه ليفيد الحصر بين العاملين مع أنه أخصر .

فإن قلتَ : فلِم قدّم العبادة على الاستعانة ، مع أن الاستعانة مقدمة ، لأن العبد يستعين الله على العبادة ليعينه عليها ؟

قلتُ : الواو لا تقتضي الترتيب ، أو المراد بالعبادة التوحيد( [4] ) وهو مقدّم على الاستعانة على سائر العبادات .

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ٦
صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ٧

قوله تعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } [ الفاتحة : 7 ] . كرّر " الصراط " لأنه المكان المهيّأ للسّلوك ، فذكر في الأول المكان دون السّالك ، فأعاده مع ذكره بقوله : { صراط الذين أنعمت عليهم } الخ . . . المصرَّح فيه بما يخرج " اليهود " وهم المغضوب عليهم ، و " النصارى " وهم الضالون .

فإن قلتَ : المراد " بالصراط المستقيم " الإسلام ، أو القرآن ، أو طريق الجنة كما قيل . . والمؤمنون مهتدون إلى ذلك ، فما معنى طلب الهداية له ، إذ فيه تحصيل الحاصل ؟

قلتُ : معناه ثبّتنا وأدمنا عليه مع الاستقامة كما في قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ } ( [5] ) [ النساء : 136 ] .

فإن قلتَ : ما فائدة دخول " لا " في قوله { ولا الضّالين } [ الفاتحة : 7 ] مع أن الكلام بدونها كاف في المقصود ؟

قلتُ : فائدته توكيد النفي المفاد من " غير " .