زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة

أبو زهرة القرن الرابع عشر الهجري

صفحة 306

قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا ٢٠

اعتراها ما اعترى كافلها زكريا من استيلاء الأسباب والمسببات العادية فكانت مستغربة ، وحكى الله تعالى عنها أنها قالت :

{ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يسسني بشر ولم أك بغيا 20 } .

{ أنّى } بمعنى كيف وهي للاستغراب لتأثرها بنظرية الأسباب التي كانت سائدة ، ولان هذا هو النظام الذي كانت تعرفه ويعرفه الناس ، وموضع الاستغراب أن يكون لها غلام ولم يكن أحد من الرجال قد مسها ، أي خالطها مخالطة جنسية بزواج شرعي ، أي أنها لم تزف إلى رجل في الحلال ، ولم تك بغيا أي امرأة مبغية مقصودة من الرجال ، بل كانت عفيفة نزيهة طاهرة ، وبغي : قال بعض الصرفيين : إنها على وزن ( فعول ) دخلها الإعلال بأن اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالتسكين فعلت وأدغمت الياء ، وعندي أنها على وزن ( فعيلة ) بمعنى مفعول ، ولم تلحقها التاء ، وذلك مثل قتيل وجريح ، والمرأة المتفحشة يقال لها بغي لأنها تُبتغى من الرجال ويطلبونها .

فنفت لذلك السيدة البتول بذلك الزواج ، وأن تكون قد زفت لبشر ، وأنها لم تكن تبتغي من الرجال ، وهذا موضع استبعادها مأسورة بحكم الأسباب العادية ، وقد سيطرت النظرية التي تفرض الأسباب والمسببات في كل الوجود .