اللباب في علوم الكتاب لابن عادل

ابن عادل القرن التاسع الهجري

صفحة 312

ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ ٨

قوله : { اللهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ }[23122] الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها ، وإما خبر[23123] لمبتدأ محذوف ، أي هو الله . والحسنى تأنيثُ الحسنِ ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير[23124] العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة[23125] .

ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال : " اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى " .

فصل

قالوا[23126] : كلمة " لا " ههنا دخلت على الماهية ، فانتفت الماهية ، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها . وإنما " اللهُ " اسم علم للذات المعينة ، إذ لو كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد .

وقالوا : " لاَ " استحقت عمل " إِنَّ " [23127] لمشابهتها لها من وجهين :

الأول : ملازمة الأسماء[23128] .

والآخر : تناقضهما . فإن أحدهما لتأكيد الثبوت[23129] ، والآخر لتأكيد النفي ، ومن عادتهم تشبيه أحد الضدين بالآخر في الحكم[23130] ، وإذا كان كذلك ، فنقول : لمَّا قالوا : إنَّ زيداً ذاهبٌ كان يجب أن يقولوا : ( لا رجلاً ذاهب )[23131] إلاَّ أنهم بنوا " لا " مع ما دخل عليه من الاسم المفرد على الفتح : أما البناء فلشدة اتصال حرف النفي بما[23132] دخل عليه كأنهما صارا مفرداً واحداً[23133] فلأنهم قصدوا البناء على الحركة المستحقة توقيفاً بين الدليل الموجب للإعراب ، والدليل الموجب للبناء[23134] . وخبره محذوف[23135] تقديره : لاَ إِله في الوجود ، ولا حول ولا قوةَ لنا ، وهذا يدل على أن الوجود زائد على الماهية . فإن قيل : تصور الثبوت مقدم[23136] على تصور السلب ، فإنَّ السلب ما لم يضف إلى الثبوت لا يمكن تصوره ، فكيف قدم هنا السلب على الثبوت ؟

فالجواب[23137] : لما كان هذا السلب من مؤكدات الثبوت لا جرم قدم عليه[23138] .

فصل[23139]

ينبغي لأهل لاَ إله إلاَّ الله أنْ يحصلوا أربعة أشياء حتى يكونوا من أهل لا إلهَ إلا الله : التصديق ، والتعظيم والحلاوة والحرية[23140] ، فمن ليس له التصديق فهو منافق ، ومَن ليس له التعظيم فهو مبتدع ، ومَن ليس له الحلاوة[23141] فهو من مراء ومَنْ ليس له الحرية[23142] فهو فاجر .

فصل

( قال بعضهم[23143] )[23144] قوله تعالى : { ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ }[23145] أنَّه لا إله إلاَّ الله . { إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ }[23146] لا إله إلاَّ الله { وَتَواصُّوْا بالحَقِّ }[23147] لا إله إلاَّ الله . { قُلْ إنَّمَا أعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ } [23148] بلا[23149] إله إلاَّ الله . { وَقِفُوهُمْ إنَّهُمْ مَسْئولُون } " [23150] عن قول لا إله إلاَّ الله . " بَلْ جَاءَ بالحَقِّ وَصَدَّقَ المُرْسَلِين " [23151] هو لا إله إلاَّ الله . " يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بالقَوْلِ الثَّابِتِ فشي الحَيَاةِ الدُّنْيَا " [23152] هو لاَ إله إلاَّ الله . " وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمينَ " [23153] عن قول : لا إله إلاَّ الله[23154] .

فصل[23155]

قال عليه السلام[23156] : " أفضل الذكر لاَ إله إلاَّ الله ، وأفضل الدعاء أستغفر الله " ، ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فاعْلَم أنَّه لا إلهُ إلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ " [23157] وقال عليه السلام[23158] : " إنَّ الله تَعَالَى خَلَقَ مَلَكاً من الملائكة قبل أن خلق[23159] السموات والأرض وهو يقول : أشهد[23160] أن لا إله إلاَّ الله مادًّا بها صوته لا يقطعها ، ولا يتنفس فيها ، ولا يتمها ، فإذَا أتمَّها أمر[23161] إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت[23162] القيامة تعظيماً لله تعالى " [23163] .

وعن[23164] أنس قال عليه السلام[23165] : " ما زلت أشفع إلى ربي ويشفعني ، وأشفع إليه ويشفعني ، حتى قلت : يا رب فيمن قال[23166] : لا إله إلا الله . قال : يا محمد هذه ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي ، لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله " وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن " حم عسق " [23167] فقال : الحاء حُكمه ، والميم ملكه ، والعين عظمته ، والسين سناؤُه والقاف قدرتُه ، يقول الله عز وجل : بحكمي وملكي وعظمتي وسنائي ولا قدرتي لا أعذب بالنار من قال : لاَ إله إلاَّ الله محمد رسول الله .

وعن ابن عمر[23168] قال عليه السلام[23169] : " من قال في الشوق : لا إله إلا الله وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ يُحْيي ويُميتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَمُوتُ بيدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيءٍ قدِير ، كَتَبَ الله لهُ أَلفَ حَسَنةٍ ومَحَا عَنْهُ ألفَ سيئةٍ و بَنَى لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ " [23170] .

وروي عن موسى بن عمران عليه السلام[23171] قال : يا رب علمني شيئاً أذكرك به قال : قل : لا إله إلاَّ الله ، قال : كل عبادك يقول[23172] : لا إله إلاَّ الله . فقال[23173] : قل : لا إله إلاَّ الله . قال : إنما أردت شيئاً تخصني به . قال يا موسى : لو أن السموات السبع ومن فوقهن في كفة[23174] ولا إله إلاَّ الله في كفة لماتْ بهِنَّ لاَ إله إلاَّ الله .

فصل[23175]

قيل : إنَّ الله تعالى أربعة آلاف اسم لا يعلمها إلا الله والأنبياء[23176] أما الألف الرابعة فإن المؤمنين يعلمونها ، فثلثمائة في التوراة ، وثلثمائة في الإنجيل ، وثلثمائة في الزبور ومائة في القرآنه تسعة[23177] وتسعون ظاهرة وواحد مكنون[23178] فمن[23179] أحصاها دخل الجنة .

واعلم أن الأسماء الواردة في القرآن منها ما ليس بانفراده ثناءً ومدحاً[23180] ، كقوله : جاعل ، وفالق[23181] ، وصانع . فإذا قيل : " فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً " [23182] صار[23183] مدحاً[23184] وأما الاسم الذي يكون مدحاً فمنه ما إذا قُرِنَ بغيره أبلغ نحو قولنا : حيّ ، فإذا قيل : الحَيُّ القَيُّومُ ، أو الحَيُّ[23185] الَّذِي لا يَمُوتُ . كان أبلغ . وأيضاً بديع . فإذن قلت : بَديعُ السَّمواتِ والأرضِ ، ازداد المدح .

ومن هذا الباب ما كان اسم مدح ولكن لا يجوز إفراده ، كقولنا : دَلِيلٌ ، وكَاشِفٌ ، فإذا قيل : يا دليلَ المتحيرين ، يا كاشفَ الضُرِّ والبلوى جاز .

ومنه ما يكون اسم مدح مفرداً ومقروناً كقولنا : الرَّحيم الكريمُ[23186] ( ومن الأسماء ما يكون تقارنُها أحسنَ كقولك : الأول الآخر ، المبدئ المعيد ، الظاهر الباطن ، العزيز الحكيم )[23187] .