تفسير الشعراوي

الشعراوي القرن الخامس عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 283

ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا ١٤

الحق تبارك وتعالى يصور لنا موقفاً من مواقف يوم القيامة ، حيث يقف العبد بين يدي ربه عز وجل ، فيدعوه إلى أن يقرأ كتابه بنفسه ، ليكون هو حجة على نفسه ، ويقر بما اقترف ، والإقرار سيد الأدلة .

فهذا موقف لا مجال فيه للعناد أو المكابرة ، ولا مجال فيه للجدال أو الإنكار ، فإن حدث منه إنكار جعل الله عليه شاهداً من جوارحه ، فينطقها الحق سبحانه بقدرته : { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " 24 " } ( سورة النور ) .

ويقول سبحانه : { وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ . . " 21 " }

( سورة الإسراء ) : وقد جعل الخالق سبحانه للإنسان سيطرة على جوارحه في الدنيا ، وجعلها خاضعة لإرادته لا تعصيه في خير أو شر ، فبيده يضرب ويعتدي ، وبيده ينفق ويقيل عثرة المحتاج ، وبرجله يسعى إلى بيت الله أو يسعى إلى مجلس الخمر والفساد .

وجوارحه في كل هذا مسخرة طائعة لا تتأبى عليه ، حتى وإن كانت كارهة للفعل ؛ لأنها منقادة لمراداتك ، ففعلها لك ليس دليلاً على الرضى عنك ؛ لأنه قد يكون رضى انقياد .

وقد ضربنا مثلاً لذلك بقائد السرية ، فأمره نافذ على جنوده ، حتى وإن كان خطئاً ، فإذا ما فقد هذا القائد السيطرة وأصبح الجنود أمام القائد الأعلى باحوا له بكل شيء .

كذلك في الدنيا جعل الله للإنسان إرادة على جوارحه ، فلا تتخلف عنه أبداً ، لكنها قد تفعل وهي كارهة وهي لاعنة له ، وهي مبغضة له ولفعله ، فإذا كان يوم القيامة وانحلت من إرادته ، وخرجت من سجن سيطرته ، شهدت عليه بما كان منه . { كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً " 14 " } ( سورة الإسراء ) : أي : كفانا أن تكون أنت قارئاً وشاهداً على نفسك .