{ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } [ الإحياء : 3/69 ] .
24- { صراط الذين أنعمت عليهم } إلى آخر السورة : فهو تذكير بنعمته على أوليائه ، ونقمت وغضبه على أعدائه ، لستثير الرغبة والرهبة من صميم الفؤاد .
وقد ذكرنا أن ذكر قصص الأنبياء والأعداء قسمان من أقسم القرآن عظيمان[39] . [ جواهر القرآن ودرره : 54 ] .
25- إذا فرغت من التعوذ ومن قولك { بسم الله الرحمان الرحيم } ، ومن التحميد ، ومن إظهار الحاجة إلى الإعانة مطلقا ، فعين سؤالك ولا تطلب إلا أهم حاجاتك ، وقل : { اهدنا الصراط المستقيم }[40] الذي يسوقنا إلى جوارك ويفضي بنا إلى مراضاتك ، وزده شرحا وتفصيلا وتأكيدا واستشهادا بالذين أفاض عليهم نعمة الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين من اليهود والنصارى والصائبين ، ثم التمس الإجابة وقل { آمين } .
فإذا تلوت الفاتحة كذلك ، فتشبه أن تكون من الذين قال الله تعالى فيهم فيما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم : «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل »[1] يقول العبد : { الحمد لله رب العالمين } فيقول الله عز وجل : حمدني عبدي وأثنى علي ، وهو معنى قوله : " سمع الله لمن حمده " . . الحديث الخ . فلو لم يكن لك من صلاتك حظ سوى ذكر الله لك في جلاله وعظمته ، فناهيك بذلك غنيمة ، فكيف بما ترجوه من ثواب وفضله ؟ [ الإحياء : 1/198 ] .
26- اشتملت الفاتحة من الأقسام العشرة[2] على ثمانية أقسام : الذات والصفات والأفعال وذكر المعاد والصراط المستقيم بجميع طرفيه- أعني التزكية والتحلية- وذكر نعمة الأولياء وغضب الأعداء وذكر المعاد ، ولم يخرج منه إلا قسمان : محاجة الكفار ، وأحكام الفقهاء ، وهم الفنان اللذان يتشعب منهما علم الكلام وعلم الفقه[3] ، وبهذا يتبين أنهما واقعان في الصنف الأخير من مراتب علوم الدين ، وإنما قدمهما حب المال والجاه وفقط . [ جواهر القرآن ودرره : 54-55 ]
27- الفاتحة بعده[4] متعينة ( ح ) لا يقوم ( ح ) ترجمتها مقامها ويستوي فيه الإمام والمأموم ( ح ) في السرية والجهرية ( ح ) إلا في ركعتي المسبوق ، ونقل المزني[5] سقوطها عن المأموم في الجهرية . [ الوجيز : 42 ] .
28- بعد الفاتحة سنتان :
إحداهما : التأمين مع تخفيف الميم ممدودة أو مقصورة ، وفي جهر الإمام به خلاف ، والأظهر الجهر ، وليؤمن المأموم مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده .
الثانية : السورة وهي مستحبة للإمام والمنفرد في ركعتين الأولين من غيرهما . [ الوجيز : 43 ] .
29- النظر في الفاتحة وسوابقها ولواحقها[6] :
أما السوابق : فدعاء الاستفتاح عقب التكبير ، وهو مشهور ، والتعوذ بعده من غيره جهر إلا في قول قديم . وأما استحباب التعوذ في كل ركعة فوجهان من حيث إن الصلاة في حكم شيء واحد ، ولكن كل ركعة كالمنقطعة عما قبلها .
أما الفاتحة ، فالنظر في القادر والعاجز . أما القادر فتلزمه أمور خمسة :
الأول : أن أصل الفتاحة متعين على الإمام والمأموم في الصلاة السرية والجهرية ، إلا في ركعة المسبوق .
وقال أبو حنيفة : تقوم ترجمتها وغيرها من السور مقامها ، وخالف قوله عليه الصلاة والسلام : «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب »[7] .
وقال : لا تجب القراءة على المأموم أصلا . وهو الذي نقله المزني ، ولكن في الصلاة الجهرية .
الثاني : تجب قراءة { بسم الله الرحمان الرحيم } إذ روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبع آيات وعد بسم الله الرحمن الرحيم ، آية منها[8] .
الثالث : كل حرف من الفاتحة ركن ، فلو ترك تشديدا فهو ترك حرفا ، ولو أبدل حرفا ، ولو أبدل حرفا بحرف لم يجزه ، ولو أبدل الضاد بالظاء ففيه تردد لقرب المخرج وعسر التمييز .
الرابع : رعاية الترتيب فيها شرط ، فلو قرأ النصف الأخير أولا ، لم يجزه ؛ لأن الترتيب ركن في الإعجاز ، فأما التشهد إذا قدم المؤخر منه ولم يغير المعنى فهو قريب من قوله : " عليكم السلام " .
الخامس : الموالاة شرط بين كلماتها ، فلو قطعها بسكوت طويل وجب الاستئناف إلا على وجه بعيد ذكره العراقيون ، ولو تخللها تسبيح يسير انقطعت الموالاة ، بخلاف ما لو كرر كلمة من نفس الفاتحة ، فإن ذلك لا يعد انتقالا إلى غيرها ، ولذلك لو قرأ الفاتحة مرات لم يضر ، بخلاف تكرير الركوع ، وفيه وجه ضعيف أنه كالركوع .
فرعان :
لو قال الإمام : { ولا الضالين } قال المأموم " أمين " لا تنقطع به الفاتحة إذا كان في أثنائها ، ومنه وجه آخر أنها تنقطع ، والأول أظهر ، لأنه إذا جرى له سبب لم يعد انتقالا ، وهذا الخلاف يجري فيما إذا سأل أو استعاذ عند قراءة الإمام : آية رحمة أو عقاب ، أو سجد مع الإمام عند قراءة الإمام آية سجدة ، فإن هذه الأسباب متقاضية .
الثاني : لو ترك الموالاة ناسيا ، نقل العراقيون : أنه لا يضر ، وللشافعي رضي الله عنه قول في القديم : أنه لو ترك الفاتحة ناسيا لم يضر ، لأن النسيان عذر كالسبق ، ولكن ليس هذا تفريعا عليه ، إذ فرق بينه وبين ترك ترتيبها ناسيا ، ويتأيد ذلك بأنه لو طول ركنا قصيرا ناسيا لم يضر ، وإن انقطعت به موالاة الأركان .
أما العاجز وهو الأمي ففيه أربع مسائل :
الأول : أنه لا تجزيه ترجمته ، بل إن قدر فيأتي بسبع آيات من القرآن متوالية لا تنقص حروفها عن حروف الفاتحة ، فإن نقصت الحروف دون عدد الآيات ففيه وجهان ، فإن عجز عن آيات متوالية فتجزئه آيات متفرقة ، فإن لم يكن آحادها مفهمة كقوله تعالى : { ثم نظر }[9] لم يبعد أن يرد إلى الأذكار ، فإن لم يحسن إلا آية واحدة ، فيأتي بها وبالأذكار بدلا عن البقية . وقيل : إنه يكرر الآية سبعا فيكفيه ، فإن لم يحسن من القرآن شيئا فيأتي بتسبيح وتهليل كقوله : سبحانه الله ، والحمد لله ، وما فيه ثناء على الله ، ويراعي مساواته في الحروف . وفي الدعاء المحض اختلاف في : هل يقوم مقام التسبيح ؟
الثانية : إذا لم يحسن النصف الأول من الفاتحة ، فيأتي أولا بالذكر بدلا عنه ثم يأتي بما يحسن منها .
الثالثة : إذا تعلم الفاتحة في أثناء الصلاة قبل قراءة البدل لزمته ، وإن كان بعد الركوع لم تلزمه ، وإن قبل الركوع وبعد الفراغ فوجهان ، ووجه الوجوه بقاء مظنة القراءة ، ولو كان أثناء البدل لزمه ما بقي من البدل . وفي لزومه الاستئناف خلاف ، والأصح أنه يجب .
الرابعة : إذا قرأ الأمي دعاء الاستفتاح ، وقصد به بدل الفاتحة جاز ، وإن قصد الاستفتاح لم تسقط به القراءة فعليه الإعادة ، ولو أطلق ، ففي سائر الأذكار تردد ، ذكره صاحب التقريب[10] في أنه هل يشترط قصد البدلية ؟ واشتراطه في دعاء الاستفتاح أوجه ، لأن قرينة الحال تصرفه إلى الاستفتاح .
أما لواحق الفاتحة فشيئان :
الأول : التأمين ، فهو مستحب عقب الفراغ للمأموم المنفرد ، وفيه لغتان : القصر والمد ، والميم مخففة على اللغتين وهو صيغة وضعت لتحقيق الدعاء ، ومعناه : ليكن كذلك ، كقولهم : " صه " للأمر بالسكوت .
ثم اختلف نص الشافعي رضي الله عنه في جهر المأموم به ، فقيل : إن كان في القوم كثرة جهروا ليبلغ الصوت ، وإلا فلا . وقيل : فيه قولان :
أحدهما : بنعم ، لما روى أبو هريرة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أمن أمن من خلفه حتى كان للمسجد ضجة »[11] .
والثاني : لا ، كسائر الأذكار .
وأما الضجة فهي هيمنة حصلت من همس القوم عند كثرتهم .
وقيل : إن لم يجهر الإمام جهر المأموم ، وإن جهر الإمام ففي المأموم قولان .
ثم المستحب أن يؤمن مع تأمين الإمام لا قبله ولا بعده ، لأنه يؤمن لقرائته لا لتأمينه .
وقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : «إذا قال الإمام { ولا الضالين } فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تؤمن عند ذلك ، فمن وافق تأمينه الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر » [12] .
30- لا يصل آمنين " بقوله : { ولا الضالين } وصلا . [ الإحياء : 1/182 ] .
31- آمين : سنة مؤكدة . [ نفسه : 1/186 ] .