وهي قوله : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، والاستعاذة بمعنى الالتجاء والاستجارة ، استعاذ به ، أي لجأ إليه ، وهو عياذه ، أي ملجأه ، ومعاذ الله ، أعوذ بالله . [1]
والشيطان من شطن ، أي بعد عن الخير ، وسمي الشيطان بذلك ، لعتوه وتمرده وبعده عن الحق والخير ، وكل عات متمرد من الإنس والجن والدواب شيطان . [2]
والرجيم ، من الرجم وهو القتل واللعن والطرد والإبعاد من الخير ، وأصله الرجم بالحجارة فهو رجيم ومرجوم . [3]
على أن الاستعاذة مأمور بها عند أول كل قراءة من القرآن الكريم ، لقوله تعالى : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " وهذا الأمر إنما يفيد الندب لا الوجوب وهو قول الجمهور . وثمة قول بأنه للوجوب . والصواب قول الجمهور وهو الندب ، أما التعوذ في الصلاة فهو مندوب في الركعة الأولى منها ، وقيل بوجوبها في كل ركعة استنادا إلى عموم قوله : " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم " وأجمعوا على أن التعوذ ليس من القرآن ولا هو آية منه .
وفي فضل التعوذ روى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : « يا أرض ربي وربك الله ، أعوذ بالله من شرك ، ومن شر ما خلق فيك ، ومن شر ما يدب عليك ، ومن أسد وأسود ، ومن الحية والعقرب ، ومن ساكني البلد ، ووالد وما ولد » .
وأخرج الموطأ ومسلم والترمذي عن خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال : « أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل » .
تفسير سورة الفاتحة
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية ، وهي سورة عظيمة القدر والشأن ، فهي أم الكتاب وفاتحته ، لما يتجلى فيها من كبير المعاني وأصول العقيدة ، ولما تتسم به من جلال التعبير الذي يفيض بروعة الكلم وتشيع منه العذوبة وتمام الانسجام ، لا جرم أن سورة الفاتحة نموذج الإعجاز الباهر في الكتاب الحكيم كله ، وهي لفضلها وبالغ قدسيتها وعجيب إيقاعها وفخامة مضمونها ومعناها كانت طليعة الكتاب العزيز ، وفي فضلها الكريم الطاهر روى الترمذي عن أبي كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما أنزل الله في التوراة ولا الإنجيل مثل أم القرآن ، وهي السبع المثاني ، وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل » .
أما أسماء الفاتحة فهي كثيرة منها : أولا : الصلاة ، قال الله في الحديث القدسي : « قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد ( الحمد لله رب العالمين( قال الله تعالى : حمدني عبدي وإذا قال العبد : ( الرحمن الرحيم( قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ، وإذا قال العبد : ( إياك نعبد وإياك نستعين( قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال ( اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين( قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل » رواه مسلم عن أبي هريرة ، وقوله سبحانه : « قسمت الصلاة » يريد الفاتحة ، وسماها صلاة ، لأن الصلاة لا تصح إلا بها .
ثانيا : الحمد : لأن فيها ذكر الحمد .
ثالثا : فاتحة الكتاب ، من غير خلاف في ذلك ، وسميت بهذا الاسم ، لأن قراءة القرآن تفتح بها لفظا وتفتتح بها الكتابة في المصحف خطا وبها تفتح القراءة في الصلوات .
رابعا : أم الكتاب ، وهذا الاسم عند الجمهور وكرهه ابن سيرين والحسن البصري إذ قالا : الآيات المحكمات هن أم الكتاب ، والصحيح قول الجمهور ، لما رواه الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « الحمد لله رب العالمين أم القرآن وأم الكتاب ، والسبع المثاني والقرآن العظيم » .
خامسا : أم القرآن ، ودليله الخبر المبين آنفا .
سادسا : السبع المثاني ، سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة ، وقبل غير ذلك .
سابعا : الشفاء ، لما رواه الدرامي عن أبي سعيد مرفوعا : « فاتحة الكتاب شفاء من كل سم »
ثامنا : الرقية ، وجمعها الرقى استرقاه فرقاه ، يرقيه رقية فهو راقي . [4]
تاسعا : الواقية ، لأنها لا تحتمل الاختزال فلا تتصف ، فلو نصفت الفاتحة في ركعتين لما جاز ذلك ، لكن لو قرأ من سائر السور نصفها في ركعة ونصفها الآخر في ركعة أخرى جاز .
عاشرا : الكافية ، لأنها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها . [5]
البسملة
وهي قوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، وقيل في تأويلها : إن بسم الله الرحمن الرحيم قسم من ربنا أنزله عند رأس كل سورة يقسم لعباده : إن هذا الذي وضعت لكم يا عبادي في هذه السورة حق ، وإني أوفي لكم بجميع ما ضمنت في هذه السورة من وعدي ولطفي وبري . [6]
وهل البسملة آية من القرآن ؟ ثمة أقوال في هذه المسألة :
القول الأول : ليست البسملة بآية من الفاتحة ولا غيرها ، وهو قول الإمام مالك واحتج لذلك بأن القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد ، وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا خلاف فيه ، قال ابن العربي في ذلك : يكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها ، والقرآن لا يختلف فيه الناس .
القول الثاني : إنها آية من كل سورة ، وهو قول عبد الله بن المبارك وقد شذ في ذلك .
القول الثالث : وهو للشافعي ، إذ قال هي آية في الفاتحة وحدها ، وفي قول ثان له أنها آية من كل سورة .
القول الرابع : إن البسملة آية من سورة النمل ، وهذا ما لا خلاف فيه .
أما قراءتها في الصلاة فثمة خلاف في ذلك ، فقد قيل بوجوب قراءتها في صلاة الفرض والنفل وهو قول الشافعية والحنابلة وغيرهم ، وذهب آخرون إلى الإسرار بها مع الفاتحة وهو قول الحنفية ، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود وعمار وابن الزبير .
وقال به أحمد بن حنبل ، واحتجوا من الأثر بما روي عن أنس قال : « صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وعمر ، فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » .
وذهبت المالكية إلى أن البسملة ليست آية من فاتحة الكتاب ولا غيرها ، ولا يقرأ بها المصلي في المكتوبة ولا في غيرها لا سرا ولا جهرا ، ويجوز أن يقرأها في النوافل .
قوله : « بسم الله » الباء زائدة ومعناها الإلصاق ، [7] تكتب بسم بغير ألف استغناء عنها بباء الإلصاق في اللفظ والخط ، وذلك لكثرة الاستعمال ، بخلاف قوله ( اقرأ بسم ربك الذي خلق ( فإنها لم تحذف لقلة الاستعمال ، وبسم الله يعني بالله : أي بخلقه وتقديره نصل إلى ما نصل إليه ، وقيل : « بسم الله » يعني بدأت بعون الله وتوفيقه وبركته .
واللفظ « الله » هو أكبر أسماء الله تعالى ، وهو لا ثني ولا يجمع ، والله اسم للموجود القديم الحق الذي جمع صفات الإلهية والربوبية .
أما الرحمن ، فقيل : إن هذا الاسم غير مشتق ، لأنه من الأسماء المختصة بالله سبحانه ، ولو كان مشتقا لعرفته العرب ، ولم ينكروه حين سمعوه قالوا ( وما الرحمن( وقيل : الرحمن مشتق من الرحمة مبني على المبالغة ومعناه : ذو الرحمة الذي ليس له فيها نظير ، ولذلك لا يثنى ولا يجمع مثلما يثنى الرجيم ويجمع ، والراجح اشتقاقه ، لما خرجه الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله عز وجل : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي ، فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته ، وهذا نص يدل على الاشتقاق .
على أن الرحمن مختص بالله جلاله ، ولا يجوز أن يسمى به أحد غير الله ، ويدل على ذلك قوله :
( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن( فعادل اسم الرحمن اسم الله الذي لا يتسمى به أحد غيره . [8]