تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 436

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٨

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 15

تفسير المفردات :

ولا تزر : أي ولا تحمل ، وازرة : أي نفس آثمة ، وزر أخرى : أي إثم نفس أخرى ، والمثقلة : النفس التي أثقلتها الذنوب والأوزار ، ذا قربى : أي ذا قرابة من الداعي ، بالغيب : أي غائبا عنهم وتزكى : أي تطهر من ندس الأوزار والذنوب ، والمصير : المرجع والعاقبة .

الإيضاح :

ثم أخبر عن أحوال يوم القيامة وأهوالها وشدائدها بقوله :

( ولا تزر وازرة وزر أخرى( أي ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى ، بل تحمل كل نفس وزرها فحسب ، ولا تنافي بين هذا وما جاء في سورة العنكبوت من قوله سبحانه : ( وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم( ( العنكبوت : 13 ) فإن هذا في الضالين المضلين وهم يحملون إثم إضلالهم مع إثم ضلالهم ، وكل ذلك آثامهم لا آثام غيرهم .

( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى( أي وإن تسأل نفس ذات ثقل من الذنوب ، من يحمل عنها ذنوبها ؟ لم تجد من يجيبها إلى ما تطلب ولو كان المدعو ذا قربة لها كأب أو ابن ، إذ كل مشغول بنفسه ، ولكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه .

ونحو الآية قوله : ( لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا( ( لقمان : 33 ) وقوله : ( يوم يفر المرء من أخيه34 وأمه وأبيه 35وصاحبته وبنيه 36لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه( ( عبس : 34-37 ) .

قال عكرمة : إن الوالد ليتعلق بولده يوم القيامة فيقول يا بني : أي والد كنت لك ؟ فيثني خيرا فيقول له يا بني إني قد احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك ألجو بها مما ترى ، فيقول له ولده : يا أبت ما أيسر ما طلبت ، ولكني أتخوف مثل ما تتخوف ، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا ، ثم يتعلق بزوجته فيقول يا فلانة : أي زوج كنت لك ؟ فنثني خيرا فيقول لها إني أطلب إليك حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو بها مما ترين ، فتقول ما أيسر ما طلبت . ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا ، إني أتخوف مثل الذي تتخوف .

ثم سلى رسوله صلى الله عليه وسلم على عدم قبولهم دعوته وإصرارهم على عنادهم فقال : ( إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة( أي إنما يجدي النصح والإنذار لدى من يخشون الله ويخافون شديد عقابه يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك ، بل إيمانهم بما أتيت به وتصديقهم لك فيما أنبأت به عن ربك ، فهؤلاء هم الذين ينفعهم إنذارك ويتعظون بمواعظك ، لا من طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون- إلى أنهم يؤدون الصلاة المفروضة عليهم ويقيمونها على ما رسمه الدين ، فهي التي تطهر قلوبهم وتقربهم من ربهم حين مناجاتهم له كما جاء في الحديث : " اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .

والخلاصة : إنه إنما ينفع إنذارك وتخويفك من يخشى بأس الله وشديد عقابه ، دون من عداهم من أهل التمرد والعتاد .

ثم حث على الأعمال الصالحة وأبان أن فائدتها عائدة إليهم فقال : ( ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( أي ومن يتطهر من أدناس الشرك وأوضار الذنوب والمعاصي فنفع ذلك عائد إليه كما أن من يتدسى بالذنوب والآثام فضر ذلك راجع إليه ، وإلى الله مصير كل عامل وهو مجازيه بما قدم من خير أو شر على ما جنى وأتل لنفسه .