وقوله سبحانه : { وَإِن نَّكَثُواْ أيمانهم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ } [ التوبة : 12 ] .
ويليق هنا ذكْرُ شيء مِنْ حُكْمٍ طعن الذميِّ في الدِّين ، والمشهورُ من مذْهَب مالِكٍ : أنه إِذا فعل شيئاً من ذلك ؛ مِثْلُ تكذيبِ الشريعة ، وسبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ .
وقوله سبحانه : { فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر } ، أي : رؤوسهم وأعيانهم الذين يقودُونَ الناس إِليه ، وأصوبُ ما يقال في هذه الآية : أنه لا يُعْنَى بها معيَّنٌ وإِنما وَقَعَ الأمر بقتال أئمة الناكثين للعهود من الكَفَرةِ إِلَى يوم القيامة ، واقتضت حالُ كفَّار العرب ومحارِبي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَن تكون الإِشارة إِليهم أَولاً ، ثم كُلُّ مَنْ دَفَعَ في صدر الشريعة إِلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم .
وقرأ الجمهور : { لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } ( جَمْع يمين ) ، أي : لا أيمان لهم يُوفَى بها وتُبَرُّ ، وهذا المعنَى يشبه الآيةَ ، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة : { لا إِيمَانَ لَهُمْ } ، وهذا يحتملُ وجهين :
أحدهما : لا تصديقَ لهم ، قال أبو عَليٍّ : وهذا غَيْرُ قويٍّ ؛ لأنه تكريرٌ ، وذلك أنه وَصَفَ أَئمَّة الكُفْرِ بأنهم لا إِيمان لهم ، والوجْه في كَسْر الألفِ أَنَّه مصْدَرٌ من آمَنْتُهُ إِيماناً ؛ ومنه قوله تعالى : { مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ } [ قريش : 4 ] فالمعنى : أنهم لاَ يُؤَمَّنُونَ كما يُؤَمَّنُ أَهْلُ الذمَّة الكتابيُّون ؛ إِذ المشركون ليس لهم إِلا الإِسلام أو السَّيْفَ ، قال أبو حاتمْ : فَسَّر الحَسَنُ قراءته : ( لا إِسلام لهم ) .
قال ( ع ) : والتكريرُ الذي فَرَّ أبو عَلِيٍّ منه متَّجِهٌ ، لأنه بيانُ المهمِّ الذي يوجبُ قَتْلهم .