في الآيات :
أمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بإنذار الكفار إذا لم يرعووا ويعترفوا بحق الله وحده في العبادة ولم تقنعهم دلائل عظمة الله في كونه وفي أنفسهم بعذاب مثل العذاب الرباني الذي حل في قومي عاد وثمود . فقد جاءتهم رسل الله ودعوهم إلى عبادته وحده فأجابوا على سبيل التحدي والإنكار أن لو شاء الله لأرسل رسلا من الملائكة لا من البشر وأعلنوا كفرهم بالرسل . وكان من أمر عاد أن اغتروا بما هم عليه من قوة واستكبروا في الأرض وتساءلوا متبجحين عمن هو أشد منهم قوة دون أن يكفروا بأن الله الذي خلقهم هو بطبيعة الحال أشد منهم قوة . فأرسل الله عليهم ريحا شديدة قاصمة في أيام متوالية كانت عليهم شؤما ونحسا ؛ إذ ذاقوا فيها الخزي والبلاء في الدنيا جزاء جحودهم ، وسيكون عذابهم في الآخرة أشد وأقوى ولن يكون لهم عاصم ولا نصير من الله . وكان من أمر ثمود أن أعرضوا هم الآخرون عن طريق الهدى التي دلهم الله عليها وفضلوا الضلال على الهدى والعمى على النور والباطل على الحق فسلط الله عليهم عذابا صاعقا مهينا بما كسبوا ، وقد نجى الله من عاد وثمود أولئك الذين آمنوا به واتقوه بصالح الأعمال .
والآيات كسابقاتها استمرار في التقريع والإنذار بسبيل حكاية موقف مكابرة المشركين الكفار ، ويلحظ فيها تماثل بين ما كان يقوله عاد وثمود لرسلهم وبين ما قال العرب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أقوال وما تحدوه من تحد ، ومن جملة استنزال الملائكة وما أظهروه من كبر واعتداد بالمال والنفس والقوة ، وما كان من استحبابهم الحياة الدنيا على الآخرة على ما حكته عنهم آيات عديدة في السورة والسور السابقة . وهذا التماثل يزيد في قوة الإنذار والتقريع والتنديد من جهة وينطوي فيه حكمة القصص القرآنية بالأسلوب الذي وردت من جهة أخرى كما هو المتبادر . وفي بعض الآيات القرآنية ما يفيد أن المشركين كانوا يعرفون بلاد ثمود وعاد حيث كانوا يرحلون إليها أو يمرون بها في رحلاتهم التجارية الصيفية والشتوية ، وأنهم رأوا آثار تدمير الله فيها كما ترى في آية سورة العنكبوت هذه : { وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ( 38 ) } فاستحكمت فيهم حجة الآيات وقوة إنذارها وتقريعها من هذه الناحية أيضا