ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين .
أي : سوف آتيهم من كل الجهات ، محاولا إغواءهم عن صراطك المستقيم وهو طريق الجنة ) بكل وسيلة أقدر عليها .
وقد ذكر الجهات الأربع الأصلية التي اعتاد العدو أن يهاجم عدوه منها ، وترك جهة الفوق ؛ لأن الرحمة تنزل من فوقهم .
وعن ابن عباس ( 35 ) رضي الله عنهما : من بين أيديهم من قبل الآخرة ومن خلفهم من جهة الدنيا وعن أيمانهم من جهة حسناتهم وعن شمائلهم من جهة سيئاتهم .
وقيل : من بين أيديهم من حيث يعلمون ويقدرون على التحرز .
ومن خلفهم من حيث لا يعلمون ولا يقدرون .
وعن أيمانهم من حيث يتيسر لهم أن يعلموا ويتحرزوا ، ولكن لم يفعلوا ؛ لعدم تيقظهم واحتياطهم .
وعن شمائلهم من حيث لا يتيسر لهم ذلك .
ولا تجد أكثرهم شاكرين .
أي : لن تجد أكثر البشر مطيعين مستعملين لقواهم وجوارحهم ، في طريق الطاعة والتقرب إلى الله .
وإنما قال ذلك ؛ ظنا منه بتأثير وسوسته فيهم ، وإغوائه لهم ، ورغبته في إضلالهم عن الأعمال الصالحة ، ومحاولة إفسادها .
قال تعالى : ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين . ( سبأ : 20 ) .
وقد حذرنا القرآن من اتباع الشيطان فهو عدو مبين حريص على النجاح في مهمته ، ومهمته إضلال الإنسان وغوايته .
وواجب الإنسان الحذر من إضلال الشيطان والانتصار عليه .
قال تعالى : إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا . ( فاطر : 6 ) .
وقال سبحانه : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون . ( الأعراف : 201 ) .
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم عن عبد الله ابن عمر قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يترك هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي يقول :
( اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي ، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ( 36 ) .