الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب

مكي ابن أبي طالب القرن الخامس الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 600

أَلۡهَىٰكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ١

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التكاثر( [1] ) .

مكية( [2] ) .

قوله تعالى : { الهياكم التكاثر حتى زرتم المقابر }( [77302] ) . إلى آخرها .

أي : ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد ( عن طاعة الله حتى )( [77303] ) .

تعاددتم وتفاخرتم بأهل المقابر .

روي أن بني عبد مناف وسهما تكاثروا( [77304] ) ( بالأحياء ، فكثر بنو عبد مناف سهما ، ثم تكاثروا ) ( [77305] ) بالأموات ، ( فكثرتهم سهم ) ( [77306] ) ، فأنزل الله جل ذكره : { الهياكم التكاثر حتى زرتم المقابر } [ أي ]( [77307] ) : حتى تعاددتم وتكاثرتم بالموتى( [77308] ) .

قال قتادة : كانوا يقولون : ( نحن أكثر من بني فلان ، ونحن أعز( [77309] ) من بني فلام ) ( [77310] ) . وهو كل يوم يتساقطون أي : يموتون قال : فوالله ما زالوا( [77311] ) كذلك حتى صاروا من أهل القبول كلهم( [77312] ) . فمعنى { [ حتى ]( [77313] ) زرتم المقابر } على هذا )( [77314] ) القول : حتى صرتم من أهل المقابر ولم تقدموا عملا صالحا .

فالمعنى اشتغلتم بالدنيا والتكاثر من الأموال فيها حتى متم ولم تقدموا لأنفسكم عملا صالحا .

وروى مطرف بن عبد الله بن الشخير( [77315] ) عن أبيه أنه انتهى إلى النبي وهو يقول : { الهياكم التكاثر حتى زرتم المقابر } : ابن آدم : ليس من مالك إلا ما أكلت فأفنيْت ، أو لبِست فأبليت ، أو تصدقت فأمضيتَ( [77316] ) .

وقال أبي بن كعب : كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن " [ لو أن ] ( [77317] ) لابن آدم [ واديين ] ( [77318] ) من مال لتمنى ثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من يشاء( [77319] ) ، حتى نزلت هذه السورة : { الهياكم التكاثر } إلى آخرها( [77320] ) .

حَتَّىٰ زُرۡتُمُ ٱلۡمَقَابِرَ٢
كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ٣

ثم قال تعالى : { كلا سوف تعلمون ثم كلا سوفت تعلمون } .

هذا وعيد وتهدد من الله لهم ، وفيه دليل على صحة القول بعذاب القبر ، لأن الله أخبر عن هؤلاء القوم أنهم سيعملون ما يحل بهم إذا زاروا المقابر ، أي : إذا ماتوا .

قال علي بن أبي طالب عليه السلام : كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة( [77321] ) .

وقوله : " كلا " : أجاز قوم الوقف عليها على معنى : ما هكذا ينبغي أن يلهيكم التكاثر عن الآخرة  ! والوقف عند أبي حاتم على " المقابر " ويبتدأ " بكلا " على المعنى( [77322] ) : " حقا " ، أو بمعنى : " ألا " ( [77323] ) . والوقف عن محمد بن عيسى( [77324] ) على " كلا " ، والمعنى عنده : لا ينفعكم التكاثر ، ثم يبتدأ : { سوف تعلمون } أي : سوف تعلمون عاقبة اشتغالكم ولهوكم في الدنيا عن طاعة الله( [77325] ) .

ثُمَّ كَلَّا سَوۡفَ تَعۡلَمُونَ٤

ثم قال : تعالى : { ثم كلا سوف تعلمون } .

هذا تكرير فيه تأكيد التهدد( [77326] ) . والوعيد [ والتخويف ]( [77327] ) ، وهو قول الفراء( [77328] ) .

والقول في " كلا " – في هذا- كالقول الأول( [77329] ) .

وقال الضحاك : { ثم كلا سوف تعلمون } للكفار ، { ثم( [77330] ) كلا سوف تعلمون } للمؤمنين( [77331] ) ، [ يعني ] ( [77332] ) العضاة من المؤمنين( [77333] ) .

كَلَّا لَوۡ تَعۡلَمُونَ عِلۡمَ ٱلۡيَقِينِ٥

ثم قال / تعالى : { كلا لو تعلمون( [77334] ) . . . } .

القول في " كلا كالقول في الأول( [77335] ) والاختلاف كالاختلاف( [77336] ) . والمعنى( [77337] ) : لو تعلمون أيها الناس علما يقينا أن الله باعثكم يوم القيامة ما ألهاكم التكاثر عن الطاعة ربكم( [77338] ) .

قال قتادة : " كنا نحدث أن علم اليقين أن نعلم( [77339] ) أن الله باعثه بعد الموت " ( [77340] ) .

وجواب " لو " محذوف ، والتقدير : لو تعلمون أنكم مبعوثون يوم القيامة [ فمحاسبون ]( [77341] ) ، لما [ تكاثركم ]( [77342] ) في الدنيا بالأموال وغيرها( [77343] ) .

قال الكسائي : جواب " لو " في الأول ( هذه ) ( [77344] ) السورة : لو تعلمون( [77345] ) علم اليقين أنكم مبعوثون لما ألهاكم التكاثر( [77346] ) .

لَتَرَوُنَّ ٱلۡجَحِيمَ٦

أي : لترون أيها المشركون نار جهنم يوم القيامة ، واللام لام قسم( [77347] ) .

ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيۡنَ ٱلۡيَقِينِ٧

{ ثم لترونها عين اليقين } .

أي : عيانا لا تغيبون( [77348] ) عنها . قال ابن عباس : " يعني أهل الشرك " ( [77349] ) .

ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ يَوۡمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ٨

ثم قال تعالى ذكره : { ثم لتسئلون يومئذ عن النعيم } .

أي : ثم ليسألنكم الله عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا ماذا علمتم فيه ؟ من أين وصلتم غليه ؟ وفيم أفنيتموه ؟

قال ابن مسعود( [77350] ) ومجاهد والشعبي وسفيان : النعيم هو " الأمن( [77351] ) والصحة " ( [77352] ) .

وقال ابن عباس : " هو صحة البدن والأسماع والأبصار . قال : يسأل الله عز وجل العباد فيما( [77353] ) [ استعملوها ] ( [77354] ) وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا }( [77355] ) .

[ قال ] ( [77356] ) الحسن : النعيم : " السمع والبصر وصحة البدن " ( [77357] ) . .

وقيل : هو العافية( [77358] ) .

وقال [ ابن جبير ]( [77359] ) : هو ما تلذذ به( [77360] ) الإنسان من طعام وشراب( [77361] ) .

وروي( [77362] )عنه أنه " [ أتي ]( [77363] ) بشربة عسل فشربها وقال : هذا النعيم الذي تسألون عنه( [77364] ) .

وقال جار بن عبد الله : أتانا النبي yوأبو بكر وعمر ، فأطعمناهم رطبا وسقيناهم ماءً ، فقال رسول اللهy : هذا من [ النعيم ]( [77365] ) الذي تسألون عنه " ( [77366] ) .

وروي أبو هريرة ( أن النبيy )( [77367] ) قال لأبي بكر وعمر : انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن [ التيهان ]( [77368] ) الأنصاري ، [ فأتوه ]( [77369] ) ، فانطلق بهم إلى ظل حديقة فبسط لهم بساطا ، ثم انطلق إلى نخلة فجاء ( بِعِذْقٍ )( [77370] ) ، فقال رسول اللهy : هلا( [77371] ) [ انتقيت ]( [77372] ) لنا نمن رطبه( [77373] ) ؟ فقال : [ أردت أن تخيروا ]( [77374] ) من رطبه( [77375] ) . [ وبسره ] ( [77376] ) . فأكلوا وشربوا من الماء ، فلما فرغ رسول الله yقال : والذي نفسي بيده ، [ إن هذا ] ( [77377] )من النعيم الذي أنتم مسؤولون عنه يوم القيامة ، هذا الظل البارد والرطب البارد عليه الماء البارد( [77378] ) . وروي yعنه أنه أكل هو وناس من أصحابه أكلة من خبز . شعير –لم( [77379] ) . ينخل ( [77380] )- بلحم سمين ، ثم شربوا من جدولن فقال : هذه أكلة من النعيم تسألون عنها يوم القيامة( [77381] ) .

وروى ثابت البناني أن( [77382] ) النبي yقال : النعيم المسؤول عنه يوم القيامة : ( كسرة ) ( [77383] ) تقوته( [77384] ) ، وماء يرويه ، وثوب يواريه( [77385] ) .

وقال ( أبو ) ( [77386] ) أمامة " النعيم المسؤول عنه يوم القيامة خبز البر ، والماء العذب " ( [77387] ) .

وقال مجاهد : هو كل شيء الْتَذَّ به الإنسان من لذة الدنيا( [77388] ) .

وقال قتادة : إن الله جل ذكره ( سائل ) ( [77389] ) كل عبد عما استودعه من نعمته( [77390] ) وحقه( [77391] ) . فظاهر الآية العموم في كل ما تنعم به الإنسان( [77392] ) .