فاتحة الكتاب
فاتحة الكتاب وأم القرآن سميت بهما لأنها أصل القرآن منها يبدأ ، وهي السبع المثاني لأنها سبع آيات بالاتفاق وتثنى في الصلاة ، وقيل أنزلت مرتين بمكة والمدينة ، والأصح أنها مكية قبل سورة حجر . روى ابن جرير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني » انتهى ، وهي سورة الكنز روى إسحاق بن راهويه عن علي رضي الله عنه قال : حدثنا نبي الله صلى الله عليه وسلم أنها أنزلت من كنز تحت العرش ، وهي سورة الشفاء لما سنذكر في الفضائل أنها شفاء من كل داء .
{ بسم الله } أسقطت الألف لكثرة استعمالها وطولت الباء عوضا ، قال البغوي : قال عمر بن عبد العزيز : طولوا الباء وأظهروا السين ودوروا الميم تعظيما لكتاب الله عز وجل ، والاسم مشتق من السمو دون الوسم بدلالة سمي وسميت والمراد به المسمى أو الاسم نفسه ، والباء للمصاحبة أو الاستعانة أو التبرك ، والاستعانة يكون بذكر الله متعلق بمقدار بعدها كما في قوله تعالى : { بسم الله مجراها } [ هود : 41 ] وليتحقق الابتداء بالتسمية تحقيقا ، روى عبد القادر الرهاوي في الأربعين عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم «كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع »[ قال النووي : عنه حديث حسن وقد روي موصولا ومرسلا ورواية الموصول جيدة الإسناد ، انظر فيض القدير ( 6284 ) ] ، يعني بسم الله أقرأ . { اللهِ } قيل جامد والحق أنه مشتق من إله بمعنى المعبود حذفت الهمزة وعوضت عنها الألف واللام لزوما ومن أجل التعويض اللازم قيل يا الله ، إذ لا معنى للاشتقاق إلا كون اللفظين متشاركين في المعنى والتركيب ، ثم جعل علما لذا الواجب الوجود المستجمع للكمالات المنزه عن الرذائل ولذا يوصف ولا يوصف به ، ويقال للتوحيد لا إله إلا الله ، وقد يطلق على الأصل فيقال : وهو الله في السموات وفي الأرض ، { الرحمن الرحيم } مشتقان من الرحمة بمعنى رقة القلب المقتضي للتفضل والإحسان ، وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات دون المبادي فإنها انفعالات ، قيل هما للمبالغة بمعنى واحد ، والحق أن الرحمن أبلغ لزيادة البناء ولذا اختص بالله دون الرحيم ، قال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر ، والزيادة قد يعتبر بالكمية فيقال رحمن الدنيا ورحيم الآخرة فإن الرحمة في الآخرة للمتقين وقد يعتبر بالكيفية فيقال رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا فإن نعم الآخرة كلها جليلة وفي الدنيا حقيرة وجليلة ، وقُدّم الرحمن لاختصاصه بالله كالأعلام ولتقدم عموم الرحمة في الدنيا وهي مقدم بالزمان .
ذهب قراء المدينة والبصرة وأبو حنيفة وغيره من فقهاء الكوفة إلى أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها من السور والافتتاح بها للتيمن ، فقيل وليست من القرآن ، والحق أنها من القرآن أنزلت للفصل ، روى الحاكم وصححه على شرطهما عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورتين حتى ينزل { بسم الله الرحمن الرحيم } ورواه أبو داود مرسلا وقال : والمرسل أصح ، وسئل محمد بن الحسن عنها فقال : ما بين الدفتين كلام الله تعالى ، قلت ولو لم تكن من القرآن لما كتبوها في المصاحف مع المبالغة في تجريد القرآن كما لم يكتبوا أمين ، والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما رواه الشيخان عن أنس قال : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر وخلف عمر فلم يجهر أحد منهم ببسم الله الرحمن الرحيم [ أخرجه مسلم في كتاب : الصلاة ، باب : حجة من قال لا يجهر بالبسملة ( 399 ) ] ، وما سنذكر من حديث أبي هريرة «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين »[ أخرجه مسلم في كتاب : الصلاة ، باب : وجوب القراءة في كل ركعة ( 395 ) وأخرجه النسائي في كتاب : الافتتاح ، باب : ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب ( 903 ) وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب : ( 819 ) وأخرجه الترمذي في كتاب : تفسير القرآن ، باب : ومن سورة الفاتحة ( 2903 ) ] . في الفضائل ، وما رواه أحمد أن عبد الله بن مغفل قال : سمعني أبي وأنا في الصلاة أقرأ { بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين } ، فلما انصرف قال : يا بني إياك والحدث في الإسلام فإني صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا لا يفتتحون القرآن ببسم الله الرحمن الرحيم ولم أدر رجلا قط أبغض إليه الحدث منه [ أخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة ، باب : ما جاء في ترك الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم ( 242 ) وقال عنه : حسن ، وأخرجه ابن ماجة في كتاب : الصلاة ، باب : افتتاح القراءة ( 815 ) ] ، ورواه الترمذي فقال فيه : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ولم يسمع منهم أحد يقولها ، وذهب قراء مكة والكوفة وأكثر فقهاء الحجاز إلى أنها من الفاتحة دون غيرها من السور وإنما كتبت عليها للفصل لما روى الحاكم وقال إسناده صحيح عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرءان العظيم }[ الحجر : 87 ] قال : هي أم القرآن وقال : { بسم الله الرحمن الرحيم } الآية السابعة قرأها عليّ ابن عباس كما قرأتها ثم قال بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ، ولما روى الترمذي عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم [ أخرجه الترمذي في كتاب : الصلاة ، باب : من رأى الجهر ب بسم الله الرحمن الرحيم ( 243 ) ] . قلت : في الحديث الأول قول ابن عباس بسم الله الرحمن الرحيم الآية السابعة ظن منه ليس بمرفوع وما رواه الترمذي ليس بإسناده بقوي : وذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة وكذا من كل سورة إلا سورة التوبة وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن . قلت : وهذا يدل على أنها من القرآن لا من السورة كيف وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : «سورة من القرآن ثلاثون آية »[ أخرجه الترمذي في كتاب : فضائل القرآن ، باب : ما جاء في فضل سورة الملك ( 2891 ) وقال حديث حسن ، وأخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : عدد الآي ( 1399 ) ] في سورة الملك وسنذكر هناك إن شاء الله تعالى ، ولا يختلف العادون أنه ثلاثون آية من غير بسملة .