1 إن كتاب الفجار لفي سجين : قيل في تخريج كلمة سجين اللغوي : إنها صفة مبالغة من السجن على سبيل التخليد لمن يدخلونه . وقيل : إنها المكان السحيق أو العميق المظلم أو الأرض السفلى وقيل : إنها بئر في جهنم وعلى كل حال فالذي يتبادر من الجملة أن المقصود من الكلمة مكان العذاب الذي يعذب فيه الكفار في الآخرة وأن المقصود من الجملة بيان كون الذي كتب وقضى على الفجار : هو أن يكونوا في سجين . وجملة { ويل يومئذ للمكذبين } في الآيات والإشارة إلى يوم القيامة في الآيات السابقة قرائن أو دلائل على ذلك .
{ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين1 ( 7 ) وما أدراك ما سجين2 ( 8 ) كتاب مرقوم 3 ( 9 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 10 ) الذين يكذبون بيوم الدين ( 11 ) وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( 12 ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 13 ) كلا بل ران 4 على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 14 ) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( 15 ) ثم إنهم لصالوا الجحيم ( 16 ) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( 17 ) } [ 7-17 ] .
في الآيات حملة شديدة على الفجار المكذبين بيوم الدين . وقد ابتدأت بالردع والزجر للتنبيه على أن الأمر أعظم مما يظنون . ثم آذنتهم بأن مصير الفجار قد كتب وتقرر في الهوة السحيقة المظلمة المعدة لعذابهم يوم القيامة . وما أعظم هولها . والويل لهم في يوم الجزاء الذي يكذبون به . ولا يكذب به إلا كل أثيم باغ إذا سمع آيات الله هزأ بها وقال : إنها ليست إلا أساطير الأولين . والحقيقة من أمرهم أن ما اقترفوه من آثام وجلبت عليه نفوسهم من شر وخبث قد غطى على بصائرهم وحجّر قلوبهم . وإنهم لمبعدون عن الله ورضوانه . ولسوف يصلون الجحيم ، ويقال لهم عند ذلك : هذا الذي كنتم به تكذبون .
ويربط بين هذه الآيات وما قبلها الإنذار بالبعث ليوم الدين العظيم الذي يقف الناس فيه بين يدي الله . فهي والحالة هذه متصلة بها سياقا وموضوعا .
والحملة قوية مفزعة من شأنها بالإضافة إلى واجب الإيمان بالمشهد الأخروي إثارة الرعب في قلوب السامعين وحملهم على الارعواء من جهة ، وقد انطوت على صورة لما كان عليه الكفار من شدة العناد والمكابرة حين نزولها من جهة أخرى ، والإنذار متحقق بالنسبة للذين ظلوا على كفرهم وإثمهم .
ولقد روى الترمذي في سياق الآية [ 14 ] حديثا عن أبي هريرة قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكره الله { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } ) . حيث ينطوي في الحديث تفسير وتبشير وإنذار معا . وقد أورد المفسرون أقوالا لابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم تفيد أن القصد من الجملة : هو بيان ما يحدثه الكفر والآثام في قلب صاحبها من تحجر وانغلاق وموتان .
ولقد روى المفسرون في مناسبة جملة { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }إلى الكلام عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ، حيث استدل بعضهم وأوردوا أقوالا لبعض علماء التابعين وللإمام الشافعي في الاستدلال بها على ذلك ، وحيث أورد بعضهم أقوالا تفيد أن المقصود بالجملة حجب الكرامة والرحمة الربانية . وقد قال الطبري : إن الجملة قد تحتمل هذا المعنى وقد تحتمل ذلك ولكن ليس فيها وليس هناك أثر نبوي يساعد على ترجيح أحدهما على الآخر .
ولقد شرحنا الموضوع الأصلي وعلقنا عليه في سياق تفسير الآيات { وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 } في سورة المدثر بما يغني عن الإعادة .