ثم قال : { فالحاملات وقرا } [ 2 ] ورب السحاب الحاملات وقرا ، يعني موقرة من ماء المطر ، يعني مثقلة من المطر[65005] .
ثم قال : { فالجاريات يسرا } [ 3 ] أي : ورب السفن الجاريات يسرا : أي : جريا سهلا[65006] .
ثم قال : { فالمقسمات أمرا } [ 4 ][65007] أي[65008] : ورب الملائكة المقسمات بأمر الله الأمر من عنده بين خلقه[65009] .
قال الفراء : { فالمقسمات أمرا } [ 5 ] يعني : الملائكة ( تأتي بأمر مختلف )[65010] جبريل/صاحب[65011] الغلظة ، وميكائيل صاحب الرحمة ، وملك الموت يأتي بالموت ، فتلك قسمة[65012] الأمر ، والجواب عن هذه الأقسام :
{ إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع } [65013] يعني : البعث والجزاء ، والجنة والنار .
قال أبو الطفيل [65014] : شهدت علي بن أبي طالب [65015] يخطب وهو يقول : سلوني [65016] فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا أعلمتكم به ، وسلوني [65017] عن كتاب الله من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، في سهل أم في جبل ، فقال إليه ابن [65018] الكواء فقال : ما والذاريات ذروا ، فالحاملات وقرا ، فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا ، ( فقال علي ) [65019] : ويلك ، سل تفقها ولا تسأل تعنتا ، والذاريات ذروا : الريح [65020] ، فالحاملات وقرا : السحاب ، فالجاريات يسرا : السفن ، فالمقسمات أمرا : الملائكة ، وهو قول ابن عباس [65021] .
وقد قيل : إن الحاملات وقرا السفن تحمل أثقال بني آدم بأمر الله عز وجل [65022] [65023] .
وقيل : هي الرياح ؛ لأنها تحمل السحاب من بلد إلى بلد فتسوقه [65024] [65025] .
وقوله { لصادق } [65026] معناه لصدقه ، فوقع الاسم في موضع المصدر [65027] ، كما يأتي المصدر في موضع الاسم نحو : هو رجل عدل : أي : عادل ، ورجل رضى [65028] أي : مرضي ودرهم وزن الأمير : أي : موزونه [65029] .
ثم قال : { وإن الدين لواقع } [ 6 ] أي : وإن الجزاء بالأعمال لواقع يوم القيامة كائن لا محالة فيه[65030] .
ثم قال : { والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف } [ 8 ] أي : ورب السماء ذات الخلق الحسن .
فقال ابن عباس : ذات الحبك : هو حسنها واستواؤها [65031] .
وقال أبو مالك [65032] : وأبو صالح وعكرمة ذات الحبك : ذات الخلق الحسن [65033] .
وقال الحسن : ذات النجوم . قال : حبكت بالخلق الحسن : حبكت بالنجوم [65034] .
وقال أبو عبيدة : ذات الحبك : ذات الطرائق ، يقال للرمل والماء إذا ضربتهما الريح فصارت فيهما طرائق حبائك [65035] [65036] .
قال الأخفش : واحد الحبك : حباك [65037] .
وقال الكسائي والفراء : يقال حباك [65038] وحبيكة [65039] ، ويقال لتكسر الشعر الجعد حبك ، وحباك الحمام : طرائق على جناحيه ، وطرائق الماء حبكه [65040] .
قال ابن جبير : ذات الحبك : ذات الزينة [65041] .
وروى البكالي [65042] عن عبد الله بن عمر والسماء ذات الحبك : قال : هي [65043] السماء السابعة [65044] .
ثم قال : { قتل الخراصون } [ 10 ] .
قال ابن عباس : معناه لعن المرتابون[65054] .
قال ابن زيد : قتل[65055] الخراصون يخرصون[65056] الكذب ، يقولون شاعر ساحر وكهانة ، وأساطير الأولين اكتتبها[65057] .
قال مجاهد : معناه قتل الخراصون الذين يقولون لسنا نبعث[65058] .
وقال الفراء : معناه : لعن الكاذبون الذين يقولون محمد مجنون وساحر شاعر كذاب يخترصون[65059] ما لا يعلمون[65060] .
ولا يعرف أهل اللغة " قتل " بمعنى " لعن " ومعناه على قول سيبويه والخليل[65061] وغيرهما أن هؤلاء ممن يجب أن يدعا[65062] عليهم بالقتل على أيدي[65063] المؤمنين أو بعذاب[65064] من عند الله[65065] .
ثم قال : { يسألون أيان يوم الدين } [ 12 ] أي : يسألون متى يوم الجزاء والحساب على طريق الإنكار له ، يعني به هؤلاء الخراصين[65071] الذين تقدمت صفتهم .
ثم قال : { يوم هم على النار يفتنون } [ 13 ] أي : يعذبون [65072] .
قال الزجاج : " يوم هم " منصوب بإضمار فعل التقدير ، يقع الجزاء في يوم هم [65073] على النار يعذبون [65074] . وعلى " بمعنى " في " ، أي : في النار يعذبون ، وحسن ذلك كما وقعت [65075] في " بمعنى " على " في قوله [65076] : { ولأصلبنكم في جذوع النخل } [65077] أي : على جذوع النخل [65078] وقيل " يوم هم " ( في موضع رفع على البدل ) [65079] من يوم الأول ، لكنه [65080] بني على الفتح لأنه أضيف إضافة غير محضة [65081] [65082] .
وقيل بني لأنه أضيف إلى شيئين [65083] .
وقال سيبويه والخليل : ظروف الزمان غير متمكنة ، فإذا أضيفت إلى غير معرب [65084] أو إلى جملة بنيت على الفتح [65085] .
ثم قال : { ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون } [ 14 ] أي : يقال لهم : ذوقوا عذابكم هذا الذي كنتم به في الدنيا تستعجلون إنكارا واستهزاء[65086] .
قال قتادة : يفتنون : ينضجون بالنار .
وقال سفيان : يحرقون[65087] .
قال المبرد : هو من فتنت[65088] الذهب والفضة إذا أحرقتهما لتختبرهما وتخلصهما[65089] . فالتقدير عند من قال هذا : يوم هم على النار يفتنون : يختبرون[65090] فيقال ما سلككم في سقر .
وعن ابن عباس : فتنتكم ؛ أي : تكذيبكم ، أي : عقاب تكذيبكم[65091] .
ثم قال : { آخذين ما آتاهم ربهم } [ 16 ] أي : آخذين في الدنيا ، وعاملين بما أفترضه عليهم ربهم من فرائضه وطاعته .
قال ابن عباس : آخذين ما أتاهم ربهم ، قال : الفرائض[65094] .
وقيل معناه آخذين ما أتاهم ربهم في الجنة ، وهو حال من المتقين في القولين جميعا إلا أنك[65095] إذا جعلته في الجنة ، كانت حالا مقدرة[65096] .
ثم قال : { إنهم كانوا قبل ذلك محسنين } أي : كانوا في الدنيا قبل دخولهم الجنة محسنين في أعمالهم الصالحة[65097] لأنفسهم[65098] .
وقال[65099] ابن عباس : { قبل ذلك محسنين } أي[65100] : قبل أن تفترض[65101] عليهم الفرائض[65102] .
قوله { كانوا قليلا } [65103] إلى قوله { للسائل والمحروم } الآيات [ 17-19 ] .
قال قتادة : معناه : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون : أي : قليلا [65104] الوقت الذي لا يرقدون فيه ( فما ) بمعنى ( لا ) .
قال قتادة : كانوا يتيقظون فيصلون ما بين هاتين الصلاتين ، ما بين المغرب والعشاء [65105] .
قال قطرب [65106] : معناه من ليلة أتت [65107] عليهم إلا صلوا فيها [65108] .
وقال ابن عباس : معناه أنه لم تكن ( تمضي عليهم ليلة ) [65109] لا يأخذون منها ، ولو شيئا [65110] .
وقال أبو العالية [65111] : معناه كانوا لا ينامون بين ( المغرب والعشاء ) [65112] ، وعنه كانوا يصيبون في الليلة [65113] حظا [65114] .
وقال الحسن : معناه أنهم ( كابدوا [65115] ) قيام الليل ، فلا [65116] ينامون منه إلا قليلا ، وقاله ( الأحنف بن قيس [65117] [65118] ) .
وروى ابن وهب أنه يراد بها ما بين المغرب والعشاء . قال : كانت الأنصار يصلون المغرب وينصرفون إلى قباء فبدا لهم ، فأقاموا حتى صلوا العشاء ، فنزلت الآية فيهم [65119] .
وقوله : { وبالأسحار هم يستغفرون } [ 18 ] أي [65120] : إنهم يغدون [65121] من قباء [65122] فيصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال الضحاك : { كانوا قليلا } مردود على ما قبله ، وهو تمام الكلام [65123] ، فالمعنى/ أنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلا ، أي : كان المحسنون قليلا من الناس .
ثم ابتدأ { من اليل [65124] ما يهجعون } " فما " نافية على هذا القول ، " وما " على الأقوال الأول مع الفعل مصدر [65125] .
وقال النخعي : معناه : كانوا قليلا ينامون [65126] [65127] ، فيحتمل أن تكون " ما " زائدة على هذا القول ، وأن تكون والفعل مصدرا [65128] .
والهجوع في اللغة : النوم [65129] ، وهو قول ابن عباس والنخعي والضحاك وابن زيد .
وروى ابن وهب عن مجاهد أنه قال في معنى [65130] الآية : كانوا قل ليلة تمر بهم إلا أصابوا منها خيرا [65131] .
وروى ابن وهب [65132] أيضا في جامعه عن ابن لهيعة [65133] عن يزيد بن أبي حبيب [65134] أن ناسا كانوا ينضحون لناس [65135] من الأنصار بالدلاء على الثمار [65136] من أول الليل [ ثم يهجعون قليلا ثم يصلون آخر ذلك قال الله تعالى : { كانوا قليلا من اليل ما يهجعون } [65137] ] يعني : في نضحهم [65138] .
ثم قال : { وبالأسحار هم يستغفرون } فكأنه تعالى مدحهم أنهم لم يشغلهم [65139] في أول الليل [65140] ، وتعبهم في النضح حتى قاموا يصلون في آخر الليل .
ثم قال : { وبالأسحار هم يستغفرون } ، قال الضحاك : معناه يقومون فيصلون ، أي : كانوا يقومون وينامون ، وهو قول مجاهد [65141] .
وقال الحسن : ( مدوا الصلاة وبسطوا ) [65142] حتى كان الاستغفار في السحر ، يعني الاستغفار من الذنوب [65143] .
قال ابن زيد : هو الاستغفار ، قال وبلغنا أن نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم [65144] حين سأله بنوه أن يستغفر لهم ، فقالوا : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } قال : { سوف أستغفر لكم ربي } [65145] ، أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر [65146] .
قال : وقال بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة هي في السحر .
قال ابن زيد : السحر : السدس الآخر من الليل [65147] .
وروى حماد بن سلمة [65148] عن الجريري [65149] أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام أي : ساعة من الليل [65150] أسمع ، قال : لا أدري إلا أن العرش يهتز [65151] في السحر .
قال الجريري : فذكرت هذا لسعيد بن أبي [65152] الحسن ، فقال : أما ترى أن ريح الرياحين يفوح [65153] في السحر .
ثم قال : { وفي أموالهم حق للسائل والمحروم } [ 19 ] أي : وفي أموال المتقين المحسنين الذين تقدمت صفتهم أنهم في جنات وعيون حق لسائلهم المحتاج إلى ما في أيديهم والمحروم . وهذه الآية محكمة . في [65154] قول الحسن والنخعي ، قالا في المال/ حق سوى الزكاة [65155] .
وقال الضحاك وغيره : هذه الآية منسوخة بالزكاة [65156] [65157] .
قال الضحاك نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن [65158] .
وللعلماء في المحروم ثمانية أقوال :
قال ابن عباس : السائل : الذي يسأل ، والمحروم : الذي لا يبقى له مال وعنه أيضا أنه قال : المحروم : المحارف [65159] .
وقال محمد بن الحنفية [65160] المحروم : الذي لم يشهد الحرب ، فيكون له سهم في الغنيمة .
وقال زيد بن أسلم : المحروم الذي لحقته جائحة فأتلفت زرعة [65161] .
وقال الزهري : المحروم : الذي لا يسأل الناس إلحافا [65162] .
وروى عنه ابن وهب أنه قال : المحروم : المتعفف الذي لا يسأل إلحافا ، ولا يعرفون مكانه ليتصدقوا [65163] عليه ، وتصديق قول الزهري ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه [ قيل [65164] ] له : من المسكين يا رسول الله ؟ قال : " الذي لا يجد ما يغنيه [65165] ، ولا يفطن له فيعطى ، ولا يسأل الناس " [65166] .
وقال عكرمة : المحروم الذي لا ينمى له شيء [65167] .
والقول الثامن : يروى عن عمر بن عبد [65168] العزيز رضي الله عنه أنه قال : المحروم : الكلب [65169] .
وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : المحروم : الفقير الذي يحرم الرزق [65170] .
والوقف عند يعقوب في الآية { كانوا قليلا } على قول الضحاك ، وتفسيره أي : كان الناس الذين هم محسنون قليلا [65171] .
وكذلك روي عن نافع ، وقد تقدم ذكر ذلك [65172] .