غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري

النيسابوري- الحسن بن محمد القرن التاسع الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 209

وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُ ضُرَّهُۥ مَرَّ كَأَن لَّمۡ يَدۡعُنَآ إِلَىٰ ضُرّٖ مَّسَّهُۥۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلۡمُسۡرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ١٢

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 11

ثم بين أنهم كاذبون في استعجال الشر ولو أصابهم ما طلبوه أظهروا العجل والطيش فقال : { وإذا مس الإنسان الضر } أي هذا الجنس { دعانا لجنبه } اللام في معنى الوقت كقولك : جئته لشهر كذا . وإن شئت قلت في موضع الحال لأن الظرف والحال متآخيان فيصح عطف أحدهما على الآخر وتأويل أحدهما بالآخر أي دعانا مضطجعاً { أو قاعداً أو قائماً } أو وقت اضطجاعه وقعوده وقيامه . والمراد أنه يدعو الله في جميع أحواله لا يفتر عن الدعاء . ثم إن خص الضر بالمرض احتمل أن يراد أنه يدعو الله حين كان مضطجعاً غير قادر على القعود أو قاعداً غير قادر على القيام ، أو قائماً لا يطيق المشي إلى أن يخف كل الخفة ويرزق الصحة بكمالها . أو يراد أن من المضرورين من هو أسوأ حالاً وهو صاحب الفراش ، ومنهم من هو أخف وهو القادر على القعود ، ومنهم المستطيع للقيام وكلهم لا يصبرون على الضراء . قال بعض المفسرين : الإنسان هاهنا هو الكافر . ومنهم من بالغ فقال : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان فالمراد به الكافر . وهذا شبه تحكم لورود مثل قوله تعالى : { هل أتى على الإنسان } [ الدهر : 1 ] إلا أن يساعده نقل صحيح . والأصح عند العلماء العموم لأن الإنسان خلق ضعيفاً لا يصبر على اللأواء ولا يشكر عند النعماء إلا من عصمه الله وقليل ما هم ، وهم الذين نظرهم في جميع الأحوال على المقدر المؤجل للأمور حسب إرادته ومشيئته فلا جرم إن أصابهم السراء شكروا وإن أصابهم الضراء صبروا فأفنوا إرادتهم في إرادته ورضوا بقضائه . قال الزجاج : في الآية تقديم وتأخير والتقدير : وإذا مس الإنسان الضر لجنبه أو قاعداً أو قائماً . وضعف بأن تعديد أحوال الدعاء أبلغ من تعديد أحوال الضر لأنه إذا كان داعياً على الدوام ثم نسي ذلك في وقت الرخاء كان أعجب . ومعنى { مرّ } مضى على طريقته التي له قبل مس الضراء ومرّ عن موقف الدعاء والتضرع لا يرجع إليه . ومعنى { كأن لم يدعنا } كأنه لم يدعنا فخفف وحذف ضمير الشأن { كذلك } مثل ذلك التزيين { زين للمسرفين ما كانوا يعملون } من تتبع الشهوات . والمزين هو الله تعالى أو النفس أو الشيطان مفرع عن مسألة الجبر والقدر وقد مر مراراً . قال العلماء : سمي الكافر مسرفاً لأنه أنفق ماله من الاستعداد الشريف من القوى البدنية والأموال النفيسة في الأمور الخسيسة الزائلة من الأصنام التي هي أحقر من لا شيء ، ومن الشهوات الفانية التي لا أصل لها ولا دوام . والمسرف في اللغة هو الذي ينفق المال الكثير لأجل الغرض الخسيس فصح ما قلنا .