تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 32

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدۡخُلُواْ فِي ٱلسِّلۡمِ كَآفَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوّٞ مُّبِينٞ ٢٠٨

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( 208 ) فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( 209 ) هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ ( 210 ) } .

تفسير المفردات :

أصل السلم : التسليم والانقياد ، فيطلق على الصلح والسلام وعلى دين الإسلام ، والخطوات : واحدها خطوة ( بالضم ) ما بين قدمي من يخطو .

الإيضاح :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً } كافة : أي في أحكامه كلها التي أساسها الاستسلام والخضوع لله والإخلاص له ، ومن أصوله الوفاق والمسالمة بين الناس وترك الحروب بين المهتدين بهديه ، والأمر بالدخول فيه أمر بالثبات والدوام كقوله تعالى : { يا أيها النبي اتق الله } .

المعنى – يا أيها الذين آمنوا بالألسنة والقلوب ، دوموا على الإسلام فيما تستأنفون من أيامكم ، ولا تخرجوا عن شيء من شرائعه ، بل خذوا الإسلام بجملته وتفهموا المراد منه ، بأن تنظروا في كل مسألة إلى النصوص القولية والسنة المتبعة فيها وتعملوا بذلك ، لا أن يأخذ كل واحد بكلمة أو سنة ويجعلها حجة على الآخر ، وإن أدى إلى ترك ما يخالفها من النصوص والسنن ، وبهذا يرتفع الشقاق والتنازع ويعتصم المسلمون بحبل الوحدة الإسلامية التي أمرنا الله بإتباعها في قوله : { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } ونهانا عن ضدها في قوله : { ولا تنازعوا فتفشلوا } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض ) .

ولكن المسلمين قد خالفوا هذا فتفرقوا وتنازعوا وشاق بعضهم بعضا ، واتخذوا مذاهب متفرقة ، كل فريق يتعصب لمذهب ويعادي سائر إخوانه المسلمين زعما منه أنه ينصر الدين وهو يخذله بتفريق كلمة المسلمين ، فهذا سني يقاتل شيعيا ، وهذا شافعي يغري التتار بالحنفية ، وهؤلاء مقلدة الخلف يحادون من اتبع طريق السلف .

{ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ } أي ولا تتبعوا سبله في التفرق في الدين أو في الخلاف والتنازع ، إذ هي سبله التي يزينها للناس ، ويسول لهم فيها المنافع والمصالح ، فقد كانت اليهود أمة واحدة مجتمعة على كتاب واحد ، فوسوس لهم الشيطان فتفرقوا وجعلوا لهم مذاهب وشيعا ، وأضافوا إلى الكتاب ما أضافوا ، وحرفوا من حكمه ما حرفوا ، فسلط الله عليهم أعداءهم فمزقوهم كل ممزق ، وهكذا فعل غيرهم من أهل الأديان ، كأنهم رأوا دينهم ناقصا فكملوه ، وقليلا فكثروه فثقل عليهم بذلك فوضعوه ، فذهب الله بوحدتهم ولم تغن كثرتهم ، إذ سلط عليهم الأعداء وأنزل بهم البلاء .

ثم ذكر السبب في النهي عن اتباع خطوات الشيطان فقال :

{ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي إنه ظاهر العداوة لكم ، فإن جميع ما يدعو إليه ظاهر البطلان ، بين الضرر لمن تأمل فيه وتفكر ، ومن لم يدرك ذلك في مبدأ الخطوات أدركه في الغايات ، حين يذوق مرارة العاقبة ، فلا عذر لمن بقي على ضلالته بعد تذكير الله وهدايته عباده إلى سبيل الخير ، وتحذيره إياهم من سلوك طريق الشر .

ثم توعدهم إذا هم حادوا عن النهج السوي والطريق المستقيم فقال : { فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .المعنى الجملي :

بعد أن بين سبحانه فيما سلف من الآيات أن الناس في الصلاح والفساد فريقان : فريق يسعى في الأرض بالفساد ويهلك الحرث والنسل ، وفريق يبغي بعمله رضوان الله وطاعته – أرشدنا إلى أن شأن المؤمنين الاتحاد والاتفاق ، لا التفريق والانقسام