تفسير العز بن عبد السلام

العز بن عبد السلام القرن السابع الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 187

بَرَآءَةٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ١

سورة التوبة سورة التوبة مدنية اتفاقاً ، أو إلا آيتين في آخرها ، { لقد جاءكم } [ 128 ، 129 ] ، نزلتا بمكة ، وكانت تسمى على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم الفاضحة " ع " ، وسورة البحوث لبحثها عن أسرار المنافقين وفضحها لهم ، وسميت في عهده وبعده المبعثرة لما كشفت من السرائر . وتُركت البسملة في أولها ، لأنها مع الأنفال كسورة واحدة الأنفال في العهود وبراءة في رفع العهود ، وكانتا تدعيان القرينتين ، أو البسملة أمان ، وبراءة نزلت برفع الأمان . ونزلت سنة تسع فأنزلها الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي - رضي الله تعالى عنه - وكان أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - صاحب الموسم فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يُبلِّغ عني إلا رجل مني " ، أو أنفذه بعشر آيات من أولها ، أو بتسع تقرأ في الموسم ، فقرأها علي - رضي الله تعالى عنه - يوم النحر على جمرة العقبة .

{ براءة من الله ورسوله } انقطاع للعصمة منهما ، أو انقضاء عهدهما .

فَسِيحُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَرۡبَعَةَ أَشۡهُرٖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخۡزِي ٱلۡكَٰفِرِينَ٢

{ فسيحوا } أمان { في الأرض } تصرفوا كيف شئتم ، أو سافروا حيث أردتم ، والسياحة : السير على مَهل ، أو البعد على وَجل . { أربعة أشهر } أمان لمن له عهد مطلق ، أو أقل من الأربعة ، ومن لا أمان له فهو حرب ، أو من كان له عهد أكثر من الأربعة حُط إليها ، ومن كان دونها رفع إليها ومن لا عهد له فله أمان خمسين ليلة من يوم النحر إلى سلخ المحرم لقوله تعالى - { فإذا انسلخ الأشهر الحرم } " ع " ، أو الأربعة لجميع الكفار من كان له عهد ، أو لم يكن ، أو هي أمان لمن لا عهد له ، ومن له عهد فأمانه إلى مدة عهده . وأول المدة يوم الحج الأكبر يوم النحر إلى انقضاء العاشر من ربيع الآخر ، أو شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، أو أولها يوم العشرين من ذي القعدة وآخرها يوم العشرين من ربيع الأول لأن الحج وقع تلك السنة في ذلك اليوم من ذي القعدة لأجل النسيء وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقره حتى نزل تحريم النسيء ، فقال ' ألا إن الزمان قد استدار ' .

وَأَذَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦٓ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوۡمَ ٱلۡحَجِّ ٱلۡأَكۡبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيٓءٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ وَرَسُولُهُۥۚ فَإِن تُبۡتُمۡ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّكُمۡۖ وَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُمۡ غَيۡرُ مُعۡجِزِي ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ٣

{ وأذان } قصص ، أو نداء بالأمن يسمع بالأذن ، أو إعلام عند الكافة . { يوم الحج الأكبر } يوم عرفة خطب فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال : " هذا يوم الحج الأكبر " ، أو يوم النحر ، وهو مروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو أيام الحج كلها كيوم صفين ويوم الجمل عبَّر باليوم عن الأيام { الأكبر } القران والأصغر الإفراد ، أو الأكبر الحج والأصغر العمرة ، أو سمي به لأنه اجتمع فيه حج المسلمين والمشركين ووافق عيد اليهود والنصارى ، قاله الحسن - رضي الله تعالى عنه - .

إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّم مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ثُمَّ لَمۡ يَنقُصُوكُمۡ شَيۡـٔٗا وَلَمۡ يُظَٰهِرُواْ عَلَيۡكُمۡ أَحَدٗا فَأَتِمُّوٓاْ إِلَيۡهِمۡ عَهۡدَهُمۡ إِلَىٰ مُدَّتِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ٤
فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلۡأَشۡهُرُ ٱلۡحُرُمُ فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ وَخُذُوهُمۡ وَٱحۡصُرُوهُمۡ وَٱقۡعُدُواْ لَهُمۡ كُلَّ مَرۡصَدٖۚ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٥

{ فإذا انسلخ الأشهر الحرم } رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم عند الجمهور ، أو أشهر السياحة عشرون من ذي الحجة إلى العشر من ربيع الآخر ، قاله الحسن - رضي الله عنه- { وجدتموهم } في حل أو حرم ، أو في أشهر الحرم وغيرها . { وخذوهم } الواو بمعنى ' أو ' خذوهم أو تقديره : ' فخذوا المشركين حيث وجدتموهم واقتلوهم ' مقدم ومؤخر . { واحصروهم } بالاسترقاق ، أو بالفداء . { كل مرصد } اطلبوهم في كل مكان ، فالقتل إذا وجدوا والطلب إذا بعدوا ، أو افعلوا بهم كل ما أرصده الله لهم من قتل أو استرقاق أو مَنّ ، أو فداء . { تابوا } أسلموا { وأقاموا الصلاة } أدوها ، أو اعترفوا بها { وآتوا الزكاة } اعترفوا بها لا غير إذ لا يُقتل تاركها لا بل تُؤخذ منه قهراً .

وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ٦

{ استجارك } استعانك ، أو استأمنك . { كلام الله } القرآن كله ، أو براءة خاصة ليعرف ما فيها من أحكام العهد والسيرة مع الكفار .

page 188

كَيۡفَ يَكُونُ لِلۡمُشۡرِكِينَ عَهۡدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِۦٓ إِلَّا ٱلَّذِينَ عَٰهَدتُّمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۖ فَمَا ٱسۡتَقَٰمُواْ لَكُمۡ فَٱسۡتَقِيمُواْ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَّقِينَ٧

{ إلا الذين عاهدتم عند المسجد } خزاعة ، أو بنو ضمرة ، أو قريش " ع " ، أو قوم من بكر بن كنانة . { فما استقاموا } دُوموا على عهدهم ما داموا عليه .

كَيۡفَ وَإِن يَظۡهَرُواْ عَلَيۡكُمۡ لَا يَرۡقُبُواْ فِيكُمۡ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ يُرۡضُونَكُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَتَأۡبَىٰ قُلُوبُهُمۡ وَأَكۡثَرُهُمۡ فَٰسِقُونَ٨

{ يظهروا } يقووا عليكم بالظفر . { لا يرقبوا } لا يخافوا ، أو لا يراعوا { إلاّ } عهدا أو قرابة ، قال :

فأقسم إنّ إلك من قريش .

أو جواراً ، أو يميناً ، أو هو اسم لله عز وجل . { ذمة } عهداً ، أو جواراً ، أو التذمم ممن لا عهد له . { وأكثرهم فاسقون } بنقض العهد ، أو فاسق في دينه وإن كان دينهم فسقاً .

ٱشۡتَرَوۡاْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ ثَمَنٗا قَلِيلٗا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِۦٓۚ إِنَّهُمۡ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ٩

{ بآيات الله } دلائله وحججه ، أو التوراة التي فيها صفة الرسول صلى الله عليه وسلم { قليلا } ، لأنه حرام ، أو لأنه من عرض الدنيا وبقاؤها قليل نزلت في الأعراب الذين جمعهم أبو سفيان على طعامه ، أو في قوم من اليهود عاهدوا ثم نقضوا .

لَا يَرۡقُبُونَ فِي مُؤۡمِنٍ إِلّٗا وَلَا ذِمَّةٗۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُعۡتَدُونَ١٠
فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ فَإِخۡوَٰنُكُمۡ فِي ٱلدِّينِۗ وَنُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ١١
وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ١٢

{ نكثوا أيمانهم } نقضوا العهد الذي عقدوه بأيمانهم . { أئمة الكفر } رؤساء المشركين ، أو زعماء قريش " ع " ، أو الذين هموا بإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم . { لا أيمان لهم } بارة و{ لا إيمان } من الأمان ، أو التصديق .

أَلَا تُقَٰتِلُونَ قَوۡمٗا نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُمۡ وَهَمُّواْ بِإِخۡرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٍۚ أَتَخۡشَوۡنَهُمۡۚ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَوۡهُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ١٣

page 189

قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُمۡ وَيُخۡزِهِمۡ وَيَنصُرۡكُمۡ عَلَيۡهِمۡ وَيَشۡفِ صُدُورَ قَوۡمٖ مُّؤۡمِنِينَ١٤
وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ١٥
أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تُتۡرَكُواْ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَلَمۡ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَا رَسُولِهِۦ وَلَا ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَلِيجَةٗۚ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ١٦

{ وليجة } خيانة ، أو بطانة ، أو دخولاً في ولاية المشركين ، ولج في كذا : دخل فيه .

مَا كَانَ لِلۡمُشۡرِكِينَ أَن يَعۡمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم بِٱلۡكُفۡرِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ وَفِي ٱلنَّارِ هُمۡ خَٰلِدُونَ١٧

{ يعمروا مسجد الله } بالزيارة والدخول إليه ، أو بالكفر ، لأن المسجد إنما يعمر بالإيمان . { شاهدين } لما دلت أموالهم وأفعالهم على كفرهم تنزل ذلك منزلة شهادتهم على أنفسهم ، أو شهدوا على رسولهم بالكفر لأنهم كذبوه وكفروه وهو من أنفسهم ، أو إذا سُئل اليهودي ما أنت يقول : يهودي ، وكذلك النصارى [ و ] المشركون وكلهم كفرة وإن لم يقروا بالكفر .

إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَـٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ١٨

{ مساجد الله } مواضع السجود من المصلي ، أو البيوت المتخذة للصلوات . { فعسى أولئك } كل عسى من الله واجبة " ع " ، أو ذكره ليكونوا على خوف ورجاء .

۞أَجَعَلۡتُمۡ سِقَايَةَ ٱلۡحَآجِّ وَعِمَارَةَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ كَمَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ لَا يَسۡتَوُۥنَ عِندَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ١٩

{ سقاية الحاج وعمارة المسجد } بسدانته والقيام به ، لما فضلت قريش ذلك على الإيمان بالله -تعالى- نزلت أو نزلت في العباس صاحب السقاية ، وشيبة بن عثمان صاحب السدانة ، وحاجب الكعبة ، لما أُسرا ببدر عيرهما المهاجرون بالكفر والإقامة بمكة فقالا نحن أفضل أجراً منكم بعمارة المسجد وحجب الكعبة وسقي الحاج .

ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ٢٠