تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري

صفحة 434

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ جَاعِلِ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُوْلِيٓ أَجۡنِحَةٖ مَّثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۚ يَزِيدُ فِي ٱلۡخَلۡقِ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١

سورة فاطر --- سورة الملائكة

آيها خمس وأربعون

هي مكية نزلت بعد سورة الفرقان .

ومناسبتها لما قبلها : إنه لما ذكر سبحانه في آخر سابقتها هلاك المشركين وإنزالهم منازل العذاب- لزم المؤمنين حمده تعالى وشكره كما جاء في قوله : ( فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين( ( الأنعام : 45 ) .

بسم الله الرحمن الرحيم

( الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير( ( فاطر : 1 ) .

تفسير المفردات :

فطر الشيء : أوجده على غير مثال سابق ، رسلا : أي وسائط بينه وبين أنبيائه يبلغون عنه رسالاته ، مثنى وثلاث ورباع : أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة .

الإيضاح :

( الحمد لله فاطر السماوات والأرض( أي له سبحانه الشكر ، فقد أبدع خلق السماوات والأرض وما بينهما على غير مثال سابق وأحكم تدبيرهما على أتم نظام ، كما قيل ليس في الإمكان أبدع مما كان .

( جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع( أي جاعل الملائكة وسائط بينه وبين أنبيائه يبلغون إليهم رسالاته- ذوي أجنحة إما اثنين اثنين ، وإما ثلاثة ثلاثة ، وإما أربعة أربعة .

والأجنحة في العالم المادي تساعد على الطيران وكثرتها تومئ إلى السرعة ، وهي في عالم الأرواح ترشد إلى القدرة على السرعة في تنفيذ أوامر الله وتبليغ رسالات ربهم إلى أنبيائه .

وفي هذا إيماء إلى أن الملائكة تتفاوت أقدارهم وقواهم عند الله تعالى بحسب استعدادهم الروحي . وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح " وفي هذا رمز إلى قوة استعداده الروحي وقربه من الملأ الأعلى وسرعة تنفيذه ما يؤمر به .

( يزيد في الخلق ما يشاء( أي يزيد في خلق الأجنحة ما يشاء ، كما يزيد في أرجل الحيوان ما يشاء حتى لقد تبلغ فوق العشرين أحيانا ، وهكذا يزيد في تفاوت العقول والنفوس والقوى المادية والمعنوية كما قيل :

والناس ألف منهم كواحد *** وواحد كالألف إن أمر عنا

ثم ذكر ما هو كالدليل لما سبق بقوله :

( إن الله على كل شيء قدير( فيزيد كل ما هو أهل للزيادة وما هو مستعد لها ، حسية كانت أو معنوية ، فلا يمتنع عليه فعل شيء أراده ، لما له من القدرة والسلطان على كل شيء .