التفسير الحديث لدروزة

دروزة القرن الخامس عشر الهجري

صفحة 591

وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ١

سورة الطارق

في السورة توكيد للبعث وتدليل عليه بقدرة الله على خلق الإنسان للمرة الأولى . وإنذار للسامعين بأن أعمالهم محصاة عليهم . ووعيد للكفار وتطمين للنبي عليه السلام ، وأسلوبها عام مطلق .

( 1 ) الطارق : الذي يجيء ليلا .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والسماء والطارق1 ( 1 ) وما أدراك ما الطارق( 2 ) النجم الثاقب2( 3 ) إن كل نفس لما3 عليها حافظ( 4 ) فلينظر الإنسان مم خلق( 5 ) خلق من ماء دافق( 6 ) يخرج من بين الصلب والترائب4( 7 ) إنه على رجعه لقادر( 8 ) يوم تبلى5 السرائر6 ( 9 ) فما له من قوة ولا ناصر( 10 ) } [ 1-10 ] .

في الآيات الأربع الأولى قسم بالسماء والنجم الثاقب الطارق بالليل ، ذي الخطورة بين النجوم : بأن كل نفس عليها رقيب وحافظ يحصيان عملها ويرقبانه . وفي الآيات الأربع التالية تدليل على قدرة الله تعالى على بعث الإنسان لمحاسبته على عمله . فالله الذي خلقه من ماء يندفق من بين الصلب والترائب قادر على إعادة خلقه . وجملة { فلينظر الإنسان } قد تفيد أن ما ذكر مما كان يعرفه السامعون ويتصورونه . وبذلك تستحكم الحجة عليهم . أما الآيتان الأخيرتان فقد احتوتا خبر ما يكون من أمر الإنسان يوم البعث . ففي ذلك اليوم تظهر أعمال الناس وتنكشف سرائرهم ويواجهون الله عز وجل منفردين لا قوة تدفع عنهم ولا ناصر ينصرهم .

وقد انطوى في الآيتين الأخيرتين : أن الناس ليس لهم في الآخرة إلا أعمالهم المحصاة ، فمن كانت أعماله صالحة نجا ، ومن كانت أعماله سيئة هلك . وقد تضمنتا نتيجة لذلك إنذارا للسامعين ليتقوا هول ذلك اليوم بالاستجابة إلى دعوة الله والإيمان به وعمل الأعمال الصالحة ، واجتناب الأعمال السيئة .

ولقد تعددت الأقوال في المقصود من كلمة { حافظ } فقيل : إنه الله عز وجل الذي هو الرقيب على كل نفس المحصي عليها عملها وأوردوا للتدليل على ذلك آية سورة الأحزاب هذه : { وكان الله على كل شيء رقيبا52 }[0] وقيل إنه الملك الموكل بإحصاء أعمال الناس[1] . وقيل : إنه حافظ يحرس الناس من الآفات وأوردوا للتدليل على ذلك آية سورة الرعد هذه : { له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله }[2] [ 11 ] والقول الأخير غريب فيما هو المتبادر . وروح السياق يلهم أن المقصود هو إيذان السامعين بأن أعمالهم محصاة عليهم لمحاسبتهم عليها في الآخرة .

وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ٢
ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ٣

( 2 ) الثاقب : الخارق أو النافذ أو المتوهج الضياء . والنجم الثاقب هو النجم الذي يخرق بضوئه الظلمات . والجملة بدل بياني للطارق . وقال بعض المفسرين إنه زحل ، وبعضهم : إنه الثريا وبعضهم إنه الشهاب المنقض .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

إِن كُلُّ نَفۡسٖ لَّمَّا عَلَيۡهَا حَافِظٞ٤

( 3 ) لما : قرئت بالتخفيف وبالتشديد . وفي حالة التخفيف تكون جملة { لما عليها حافظ } بمعنى لعليها حافظ ، وفي حالة التشديد تكون بمعنى : إلا ، وقد تكرر ورودها في القرآن بالمعنى الأخير .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

فَلۡيَنظُرِ ٱلۡإِنسَٰنُ مِمَّ خُلِقَ٥
خُلِقَ مِن مَّآءٖ دَافِقٖ٦
يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ٧

( 4 ) الصلب والترائب : قال بعض المفسرين : إنها مخرج ماء الرجل والمرأة الجنسي ، وإن الصلب للرجل والترائب للمرأة ، وقالوا : إن الصلب والترائب للرجل فقط ، وإن الترائب هي التي أسفل الصلب وتعددت الأقوال في مكان الصلب والترائب في جسم الإنسان ، فقيل : إن الصلب هو الظهر والترائب هي الصدر . وقيل : إن الترائب ما بين المنكبين والصدر . وقيل : إنها أسفل من التراقي وقيل : إنها فوق الثديين بل وقيل : إنها أطراف الرجل يداه ورجلاه وعيناه ومنخره . والمتبادر أن سامعي القرآن كانوا يعرفون معنى الكلمات ومواضعها من الجسم وهي على كل حال تعني مخرج الماء الجنسي الذي يتكون منه الجنين .

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرٞ٨
يَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَآئِرُ٩
فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةٖ وَلَا نَاصِرٖ١٠
وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ١١

( 1 ) ذات الرجع : ذات السحاب الممطر ، أو ذات المطر ؛ لأنه يرجع مرة بعد مرة أو ترجع بالرزق كل عام .

{ والسماء ذات الرجع1 ( 11 ) والأرض ذات الصدع2( 12 ) إنه لقول فصل3( 13 ) وما هو بالهزل( 14 ) إنهم يكيدون كيدا4( 15 ) وأكيد كيدا( 16 ) فمهل5 الكافرين أمهلهم6 رويدا7( 17 ) } [ 11-17 ] .

وفي هذه الآيات قسم آخر بتوكيد صحة ما يسمعه الناس من نذر قرآنية وجدّها وبعدها عن الهزل والعبث ، وإشارة إلى مواقف الكيد والمناوأة التي يقفها الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم بالتعطيل والأذى والإعراض ، وتوكيد بأن الله عز وجل سيقابلهم على كيدهم بكيد أيضا ، وأمر للنبي عليه السلام بأن يتوعدهم وينذرهم وينتظر قليلا ، فلن يلبث أن يرى هو ويروا هم تحقيق الوعد ومصداق الإنذار .

والمتبادر أن القصد من كيد الله هو انتقامه وعذابه ، وأن استعمال الكلمة هو من قبيل مقابلة الشيء بمثله . وهو استعمال أسلوبي مألوف ، وقد تكرر في القرآن .

وفي الآيات إشارة إلى مواقف الكفار الكيدية بوجه عام وإنذار لهم وتطمين للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت له . وهي غير منفصلة عن الشطر الأول من السورة حيث يبدو بينهما ترابط وانسجام .

ولقد قال المفسرون : إن الأمر بالتمهيل قد نسخ بآيات القتال والسيف . وقد علقنا على مثل هذا التعبير في مناسبات سابقة . والقول يصدق هنا بالنسبة لمن ظل على كفره ومواقفه العدائية والعدوانية كما قلنا قبل .

وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ١٢
إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡلٞ١٣
وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ١٤
إِنَّهُمۡ يَكِيدُونَ كَيۡدٗا١٥
وَأَكِيدُ كَيۡدٗا١٦
فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا١٧