الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي

السيوطي القرن العاشر الهجري

صفحة 601

وَيۡلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ١

أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : أنزلت { ويل لكل همزة } بمكة .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر أنه قيل له : نزلت هذه الآية في أصحاب محمد { ويل لكل همزة لمزة } قال ابن عمر : ما عنينا بها ، ولا عنينا بعشر القرآن .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق ، عن عثمان بن عمر قال : ما زلنا نسمع أن { ويل لكل همزة } قال : ليست بحاجبة لأحد نزلت في جميل بن عامر زعم الرقاشي . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { ويل لكل همزة } في الأخنس بن شريق .

وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان عن راشد بن سعد المقدامي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لما عرج بي مررت برجال تقطع جلودهم بمقاريض من نار ، فقلت : من هؤلاء ؟ قال : الذين يتزينون . قال : ثم مررت بجب منتن الريح فسمعت فيه أصواتاً شديدة ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : نساءكن يتزين بزينة ، ويعطين ما لا يحل لهن ، ثم مررت على نساء ورجال معلقين بثديهن ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الهمازون والهمازات ، ذلك بأن الله قال : { ويل لكل همزة لمزة } » .

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : { ويل لكل همزة لمزة } قال : هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الأخوان .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قي قوله : { ويل لكل همزة } قال : طعان { لمزة } قال : مغتاب .

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن مجاهد في الآية قال : الهمزة الطعان في الناس ، واللمزة الذي يأكل لحوم الناس .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { ويل لكل همزة لمزة } قال : يأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية { ويل لكل همزة لمزة } قال : تهمزه في وجهه ، وتلمزه من خلفه .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة { ويل لكل همزة } قال : يهمزه ويلمزه بلسانه وعينيه ، ويأكل لحوم الناس ، ويطعن عليهم .

وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن ابن جريج قال : الهمز بالعينين والشدق واليد ، واللمز باللسان .

ٱلَّذِي جَمَعَ مَالٗا وَعَدَّدَهُۥ٢

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : { جمع مالاً وعدده } قال : أحصاه .

يَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥٓ أَخۡلَدَهُۥ٣

وأخرج ابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في تاريخه عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ { يحسب أن ماله أخلده } بكسر السين .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة { يحسب أن ماله أخلده } قال : يزيد في عمره .

كَلَّاۖ لَيُنۢبَذَنَّ فِي ٱلۡحُطَمَةِ٤

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي { كلا لينبذن } قال : ليلقين .

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسين بن واقد قال : الحطمة باب من أبواب جهنم .

وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحُطَمَةُ٥
نَارُ ٱللَّهِ ٱلۡمُوقَدَةُ٦
ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلۡأَفۡـِٔدَةِ٧

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله : { التي تطلع على الأفئدة } قال : تأكل كل شيء منه حتى تنتهي إلى فؤاده فإذا بلغت فؤاده ابتدئ خلقه .

وأخرج ابن عساكر عن محمد بن المنكدر في قوله : { التي تطلع على الأفئدة } قال : تأكله النار حتى تبلغ فؤاده وهو حيّ .

إِنَّهَا عَلَيۡهِم مُّؤۡصَدَةٞ٨

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { إنها عليهم مؤصدة } قال : مطبقة .

{ في عمد ممددة } قال : عمد من نار .

وأخرج عبد بن حميد عن عليّ بن أبي طالب أنه قرأ { في عمد } .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أنه قرأ : «بعمد ممددة » قال : وهي الأدهم .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس { في عمد } قال : الأبواب .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس { في عمد ممددة } قال : أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم السلاسل ، فسدت بها الأبواب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية { في عمد } قال : عمد من حديد في النار .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة { في عمد } قال : كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح { في عمد ممددة } قال : القيود الطوال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : من قرأها { في عمد } فهو عمد من نار ، ومن قرأها { في عمد } فهو حبل ممدود .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال : في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام : يا حنان يا منان ، فيقول رب العزة لجبريل : أخرج عبدي من النار ، فيأتيها فيجدها مطبقة فيرجع ، فيقول : يا رب { إنها عليهم مؤصدة } فيقول : يا جبريل ، فكها واخرج عبدي من النار ، فيفكها ويخرج مثل الفحم فيطرحه على ساحل الجنة ، حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ، ثم ماتوا عليها ، فهم في الباب الأول من جهنم لا تسود وجوههم ، ولا تزرق أعينهم ، ولا يغلون بالأغلال ، ولا يقرنون مع الشياطين ، ولا يضربون بالمقامع ، ولا يطرحون في الأدراك . منهم من يمكث فيها ساعة ، ومنهم من يمكث يوماً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث شهراً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج ، وأطولهم مكثاً فيها مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت ، وذلك سبعة آلاف سنة ، ثم إن الله عز وجل إذا أراد أن يخرج الموحدين منها قذف في قلوب أهل الأديان ، فقالوا لهم : كنا نحن وأنتم جميعاً في الدنيا فآمنتم وكفرنا ، وصدقتم وكذبنا ، وأقررتم وجحدنا ، فما أغنى ذلك عنكم ، نحن وأنتم فيها جميعاً سواء ، تعذبون كما نعذب ، وتخلدون كما نخلد ، فيغضب الله عند ذلك غضباً لم يغضبه من شيء فيما مضى ، ولا يغضب من شيء فيما بقي ، فيخرج أهل التوحيد منها إلى عين الجنة والصراط يقال لها نهر الحياة ، فيرش عليهم من الماء فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ما يلي الظل منها أخضر ، وما يلي الشمس منها أصفر ، ثم يدخلون الجنة فيكتب في جباههم عتقاء الله من النار ، إلا رجلاً واحدا ، فإنه يمكث فيها بعدهم ألف سنة ، ثم ينادي : يا حنان يا منان ، فيبعث الله إليه ملكاً ليخرجه فيخوض في النار في طلبه سبعين عاماً لا يقدر عليه ، ثم يرجع فيقول : يا رب ، إنك أمرتني أن أخرج عبدك فلاناً من النار ، وإني طلبته في النار منذ سبعين سنة فلم أقدر عليه ، فيقول الله عز وجل : انطلق فهو في وادي كذا وكذا تحت صخرة فأخرجه . فيذهب فيخرجه منها فيدخله الجنة ، ثم إن الجهنميين يطلبون إلى الله أن يمحي ذلك الاسم عنهم ، فيبعث الله إليهم ملكاً فيمحو عن جباههم ، ثم إنه يقال لأهل الجنة ومن دخلها من الجهنميين : اطلعوا إلى أهل النار فيطلعون إليهم فيرى الرجل أباه ، ويرى أخاه ، ويرى جاره ، ويرى صديقه ، ويرى العبد مولاه ، ثم إن الله عز وجل يبعث إليهم ملائكة بأطباق من نار ، ومسامير من نار ، وعمد من نار ، فيطبق عليهم بتلك الأطباق ، وتسمر بتلك المسامير ، وتمد بتلك العمد ، ولا يبقى فيها خلل يدخل فيه روح ، ولا يخرج منه غم ، وينساهم الجبار على عرشه ، ويتشاغل أهل الجنة بنعيمهم ، ولا يستغيثون بعدها أبداً ، وينقطع الكلام ، فيكون كلامهم زفيراً وشهيقاً ، فذلك قوله : { إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة } » يقول : مطبقة . والله أعلم .

فِي عَمَدٖ مُّمَدَّدَةِۭ٩