التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري

المكي الناصري القرن الخامس عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 282

سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ١

سورة الإسراء مكية ، وآياتها111 .

هذه السورة الكريمة التي نفتتح بها حديث اليوم سورة مكية ، وهي من سور القرآن " العتاق الأول " كما وصفها عبد الله بن مسعود ، أحد كبار كتاب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، حسبما روى ذلك البخاري في الصحيح . وسميت " سورة الإسراء " أخذا من قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } |الآية : 1| . وأول جزء منها يتحدث بإيجاز عن انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بواسطة البراق ، وهو ما عبر عنه كتاب الله " بالإسراء " ، ثم عن الانتقال من المسجد الأقصى في بيت المقدس إلى السماوات العلى حتى سدرة المنتهى ، وهو " العروج " الذي تم بواسطة " المعراج " .

قال القاضي عبد الجبار في كتابه " تنزيه القرآن عن المطاعن " : [ ربما قيل : كيف يصح قطع هذه المسافة في هذه الأوقات القصيرة ؟ وجوابنا أن ذلك من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، كما جعل الله تعالى معجزة سليمان " الريح " بقوله تعالى : { ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر } |سبأ : 12| . وقد وردت في شأن الإسراء والمعراج عدة أحاديث ، تشتمل على تفاصيل دقيقة لم يتعرض لها كتاب الله ، ومن أحسن من جمعها بطرقها المتعددة على اختلاف درجاتها الحافظ ابن كثير ، وبعدما أورد نصوصها في عشرين صفحة من تفسيره الشهير ، أتى بخلاصة وافية نقتطف منها العناصر الأساسية في الموضوع . وفيما يلي خلاصة الخلاصة لما قاله ابن كثير . قال رحمه الله : " وإذا حصل الوقوف على مجموع هذه الأحاديث صحيحها وحسنها وضعيفها يحصل مضمون ما اتفقت عليه ، وأنه وقع مرة واحدة ، والحق أنه عليه السلام أسري به يقظة لا مناما ، من مكة إلى بيت المقدس ، راكبا البراق ، وهو دابة بيضاء براقة لها لمعان ، فلما انتهى إلى المسجد الأقصى دخله ، فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ، ثم أتي بالمعراج ، وهو كالسلم ، ذو درج يرقى فيها ، فصعد فيه إلى السماء الدنيا ، ثم إلى بقية السماوات السبع ، فتلقاه من كل سماء مقربوها ، وسلم على الأنبياء الذين في السماوات بحسب منازلهم ودرجاتهم ، حتى انتهى إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام أي أقلام القدر بما هو كائن ، ورأى سدرة المنتهى ، ورأى البيت المعمور ، والجنة والنار ، وفرض الله عليه هنالك الصلوات خمسين ، ثم خففها إلى خمس ، رحمة منه ولطفا بعباده ، وفي هذا اعتناء عظيم بشرف الصلاة وعظمتها ، ثم هبط إلى بيت المقدس ، وهبط معه الأنبياء ، فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة ، ثم خرج من بيت المقدس ، فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس ، وكان الإسراء قبل الهجرة بسنة " . ثم قال ابن كثير : " والأكثرون من العلماء على أنه أسري ببدنه وروحه يقظة لا مناما ، ولا ينكرون أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الإسراء قبل ذلك مناما ، ثم رآه بعده يقظة ، لأنه كان عليه السلام لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح " . انتهى ما اقتطفناه من كلام ابن كثير .

وعلى القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الإسراء رؤيا منام ، ثم رآه رؤية يقظة ، يكون الأمر فيه مشابها لبدء نزول الوحي من قبل ، فقد كان الملَك جاءه في المنام أولا ، ثم جاءه بعد ذلك في اليقظة . وشرح القاضي أبو بكر { ابن العربي } الحكمة في هذا التدرج فقال : " وكانت الحكمة في ذلك أن أراه الله في المنام ما أراه ، توطيدا وتثبيتا لنفسه ، حتى لا يأتيه الحال فجأة ، فتقاسي نفسه الكريمة من ذلك شدة ، لعجز القوى الآدمية عن مباشرة الهيئة الملكية " .

الربع الأول من الحزب التاسع والعشرين في المصحف الكريم

واقتصر كتاب الله من قصة الإسراء على بيان وقته ، وبيان المكان الذي أسري منه ، وبيان الحكمة المقصودة من الإسراء فقال تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا ، إنه هو السميع البصير } .

وقوله تعالى : { سبحان } علم للتسبيح ، ومعناه براءة الله من السوء ، وتنزيه مقامه عنه . قال ابن كثير : " والتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام ، فلو كان الإسراء مناما –لا يقظة- لم يكن فيه كبير شيء ، ولم يكن مستعظما " ، إذ " لا فضيلة للحالم ، ولا مزية للنائم " ، كما قال النسفي ، ولما بادر كفار قريش إلى تكذيبه ، ولما ارتدت جماعة ممن كان قد أسلم ، مما يشير إليه قوله تعالى في مكان آخر من هذه السورة : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } أي رؤيا عين كما قال ابن عباس { إلا فتنة للناس } |الآية : 60| .

ومما يستلفت النظر أن هذا التسبيح الوارد في مطلع السورة يتكرر أثناءها عدة مرات ، فمرة يأتي تعقيبا على ما قال به المشركون في حق الله جل وعلا ، وذلك قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا ، يسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم } ، ومرة أخرى يأتي التسبيح تعقيبا على التحديات التي وجهها المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في قوله تعالى : { قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا } ، ومرة ثالثة يأتي التسبيح في سياق الحديث عن الذين آمنوا بالله ورسوله ودخلوا في الإسلام من أهل الكتاب ، وذلك قوله تعالى : { إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ، ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا } .

ومن لطائف التفسير التي يحسن نقلها في هذا المقام ما ذكره جمال الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري عند تحليله لقوله تعالى : { الذي أسرى بعبده } إذ قال : " لما رفعه إلى حضرته السنية ، وأٍرقاه فوق الكواكب العلوية ، ألزمه اسم العبودية تواضعا للألوهية " ، وذلك حتى لا يلتبس أحد المقامين بالآخر ، كما التبسا في المعتقدات المسيحية .

وقوله تعالى : { لنريه من آياتنا } بيان لحكمة الله في إسرائه بخاتم أنبيائه ورسله ، وقد أعاد كتاب الله الحديث عن هذه الحكمة في سورة النجم فقال تعالى : { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } |الآية : 18| وكم في السماوات وحدها من عجائب وآيات . قال زميلنا المرحوم المفسر الشهيد : " والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير ، تربط بين عقائد التوحيد الكبرى ، من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيئين صلى الله عليه وسلم ، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعا ، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير ، لمقدسات الرسل قبله ، والإشارة إلى اشتمال رسالته على هذه المقدسات ، وارتباط رسالته بها جميعا ، فهي ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان ، وتشمل آمادا وآفاقا أوسع من الزمان والمكان ، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تنكشف عنها للنظرة الأولى " .

وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا٢

وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن موسى وعن بني إسرائيل . والحديث عن رسالة موسى عليه السلام ، وعما تقلب فيه بنو إسرائيل من النعم والنقم –بعد ذكر المسجد الأقصى- مناسب لهذا المقام كل المناسبة ، فقال تعالى : { وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل } أي هاديا ومبينا { ألا تتخذوا من دوني وكيلا } ، وقال تعالى : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا ، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وكان وعدا مفعولا ، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا }

ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا٣
وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا٤
فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا٥
ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا٦

{ ثم رددنا لكم الكرة عليهم }إلى آخر الآية . فهذا هو ما يقتضيه سياق الآيات المتلاحقة ، ويقضي به نظامها العام ، وارتباطها التام ، قال ابن كثير : " وفيما قص الله علينا في كتابه غنية عما في سواه من بقية الكتب قبله ، وقد أخبر الله عن بني إسرائيل أنهم كلما طغوا وبغوا سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم ، جزاء وفاقا ، وما ربك بظلام للعبيد " .

إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا٧

وقال تعالى : { فإذا جاء وعد الآخرة } أي وعد المرة الآخرة { ليسئوا وجوهكم } أي ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية على وجوهكم { وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علو تتبيرا } أي ليبيدوا –مدة علوهم واستيلائهم- كل ما استولوا عليه ،

page 283

عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا٨

وقال تعالى : { وإن عدتم عدنا ، وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } أي سجنا يحاصرون فيه . وهكذا أشار كتاب الله في إيجاز وإعجاز إلى جوهر الرسالة الموسوية التي جاء بها موسى عليه السلام إلى بني إسرائيل ، فحرفوها وتنكروا لها ، وكان من آثار تمردهم عليها ما توالى عليهم من التشتيت والتفتيت ، وأنواع البلاء والجلاء في أطراف الأرض شرقا وغربا .

ثم نبه كتاب الله إلى أن بني إسرائيل كلما عادوا إلى الفساد في الأرض والاستعلاء على الخلق عادت إليهم النقم تترى ، وأوسعهم الله هزيمة وقهرا ، وآتى أعداءهم غلبة ونصرا .

وواضح أن الخطاب في قوله تعالى : { وإن عدتم عدنا } موجه إلى بني إسرائيل ، إنذارا لهم بسوء العاقبة وقبح المصير ، كما وجه إليهم الخطاب من قبل في قوله تعالى : { لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علوا كبيرا } ، وفي قوله تعالى : { ثم رددنا لكم الكرة عليهم }

إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا٩

وانتقل كتاب الله إلى الحديث عن الميزة الخاصة التي امتاز بها القرآن الكريم ، وأنه اشتمل على لب الدين الصحيح وجوهره الكامل ، وعلى شريعة الله الفاضلة في أسمى أطوارها ، وأنه بعد نزوله لم تبق هناك طريقة أقوم من طريقته ، ولا شريعة أفضل من شريعته ، فهو الحري والأحق بالإتباع ، من جميع الشيع والأتباع ، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز : { إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم } أي يهدي للعقيدة التي هي أقوم ، والشريعة التي هي أقوم ، والحياة التي هي أقوم .

وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا١٠
وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا١١
وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا١٢
وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا١٣

وقوله تعالى : { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } معناه ألزمنا كل إنسان جزاء عمله ، وما يستحقه ، بحيث يصبح عمل الأخيار لازما لهم لزوم القلادة للعنق ، وعمل الأشرار لازما لهم لزوم الغل للعنق ، وواضح أن العنق عضو لا نظير له في جسد الإنسان ، فمن ألزم فيه بشيء لم يفك عنه بحال .

ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا١٤
مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا١٥

وقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } إشارة إلى سنة الله التي لا تتخلف ، من إرسال الرسل مبشرين ومنذرين ، وقيامهم بتبليغ أوامر الله ونواهيه إلى كافة الخلق ، { ليلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } |النساء : 165| ، فإذا امتثلوا أوامر الله كيفما كان موضوع تلك الأوامر – وفي طليعتها أمره بالعدل والإحسان وأداء الأمانات إلى أهلها- أفاض الله عليهم وعلى بلدانهم أصناف النعم ، مصداقا لقوله تعالى : { وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا } |الجن : 16| ، وإذا " فسقوا " وعصوا أوامر الله ولم يجتنبوا نواهيه ، وانحرفوا عن الجادة ، سلط عليهم وعلى بلدانهم ضروب النقم ، وذلك معنى قوله تعالى هنا : { ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا } ، وقوله تعالى في آية أخرى : { وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة ، أن أخذه أليم شديد } |هود : 102| .

وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا١٦
وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا١٧

page 284

مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا١٨
وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا١٩
كُلّٗا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا٢٠