البيان في معاني القرآن

القرن الخامس عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 282

سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ١

(1) ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾ (سُبْحَانَ) تنزيهُ اللهِ من كلِّ سوءٍ، ووصفُه بالبراءةِ من كلِّ نقصٍ، وتكونُ (سُبْحَانَ) بمعنى التعجُّبِ، (أَسْرَى)؛ أي: سَيَّرَهُ ليلًا. و(العبدُ) هو محمدٌ صلى الله عليه وسلم ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ هو المسجدُ المحيطُ بالكعبةِ، وقيلَ: من بيتِ أُمِّ هانئ من الحرم، قالَ ابنُ عباسٍ: «الحرمُ كلُّهُ مسجدٌ» ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ هو مسجدُ بيتِ المقدسِ، وبينَهما مسيرةُ شهرٍ. وسُمِّيَ الأقصى؛ لبعدِ المسافةِ بينَهُ وبينَ المسجدِ الحرامِ، وقيل: كانَ هذا أبعدَ مسجدٍ عن أهل مكةَ في الأرض يُعَظَّمُ بالزيارةِ، وقيل: لبعدِه عن الأقذارِ والخبائثِ ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ والبركةُ حولَه من جهتين: إحداهُما: بالنبوةِ والشرائعِ والرسلِ الذين كانوا في ذلك القطرِ في نواحيهِ وبواديه، والأُخرى: النِّعَمُ من الأشجارِ والمياهِ والأرضِ المفيدةِ التي خصَّ اللهُ الشامَ بها ﴿لِنُرِيَهُ﴾ أي: محمدًا صلى الله عليه وسلم بعينِه ﴿مِنْ آيَاتِنَا﴾ في السمواتِ والملائكةِ والجنةِ والنارِ، ولُقْيَا الأنبياءِ، وغيرِ ذلكَ ممَّا رآه تلكَ الليلةَ من العجائبِ، وذهابِه ورجوعِه في جزءٍ من ليلةٍ ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لِما تقولون ﴿البَصِير﴾ بأفعالِكم، وعيدٌ من الله للكفارِ على تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم في أمرِ الإسراءِ.

وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا٢

(2) ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراةَ ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ﴾ أي: هديناهم لئلَّا ﴿تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلا﴾ أي: رَبًّا يَكِلونَ إليهِ الأمورَ.

ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا٣

(3) ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ أي: يا ذُريةَ قومِ نوحٍ! وهذا مِنَّةٌ على جميع الناسِ؛ لأنهم كلَّهم من ذُريةِ مَنْ أُنجِيَ في السفينةِ من الغرقِ. المعنى: كانوا مؤمنينَ، فكونوا مثلَهم واستَنُّوا بسنَّتِهم، ثم زادَهم توبيخًا بقوله: ﴿إِنَّهُ﴾ أي: نوحًا ﴿كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ كثيرَ الشكرِ، فكونوا مثلَه.

وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا٤

(4) ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ أي: أعلَمْناهم ﴿فِي الْكِتَابِ﴾ التوراة ﴿لَتُفْسِدُنَّ﴾ اللَّام لامُ القسم؛ أي: والله لَتُفسِدُنَّ ﴿فِي الأَرْضِ﴾ أي: أرضِ الشامِ وبيتِ المقدسِ ﴿مَرَّتَيْنِ﴾ بالمعاصي ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ لَتَستكبِرُنَّ عن طاعةِ الله.

فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا٥

(5) ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ أي: وعدُ عقابِ أُولاهما، وهي مخالفةُ التوراةِ، وإحداثُهم المعاصي ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا﴾ هو بُخْتَ نَصَّر وأصحابهُ على الأظهَرِ ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ ذَوي قوةٍ وبطشٍ ﴿فَجَاسُواْ﴾ طافوا ﴿خِلاَلَ الدِّيَارِ﴾ وسطَ المنازِلِ ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولا﴾ أي: قضاءً كائنًا لا خُلْفَ فيه.

ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا٦

(6) ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ﴾ الدولةَ والغلبة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي: على الذين قتلوكم حينَ تبتُمْ ﴿وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ عددًا ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾ والنفيرُ: من يَنفِرُ مع الرجلِ من قومِه.

إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا٧

(7) ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ﴾ لأن ثوابَه لها ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾ فإنَّ وبالَها عليها ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ﴾ أي: عقابُ المرةِ الآخرةِ من إفسادِكم، وذلكَ قصدُهم قتلَ عيسى عليه السلام قبل أن يُرفعَ ﴿لِيَسُوؤُواْ﴾ أي: بعثناهم لِيَسوؤوا ﴿وُجُوهَكُمْ﴾ يُخْزوها، ويُدْخِلوا عليها الغمَّ والحزنَ، والضميرُ لأُولي البأسِ الشديدِ ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ﴾ أي: بيتَ المقدسِ ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ من المرَّتينِ ﴿وَلِيُتَبِّرُواْ﴾ يُهْلِكوا ﴿مَا عَلَوْاْ﴾ غَلَبوا عليه ﴿تَتْبِيرًا﴾ مصدرٌ.

page 283

عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا٨

(8) ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ بعدَ انتقامِهِ منكُم إن تبتُمْ، فيردَّ الدولةَ إليكم، فتابوا، فرحِمَهم ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ إلى المعصيةِ ﴿عُدْنَا﴾ إلى العقوبةِ، فعادوا بتكذيبِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فعاد اللُه بتسليطِه عليهم ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ سِجْنًا؛ من الحَصْرِ، لا يقدرونَ على الخروجِ منها.

إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا٩

(9) ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي﴾ أي: للطَّريقةِ التي ﴿هِيَ أَقْوَمُ﴾ أَصْوَبُ، وهي الإيمانُ ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ من: بَشَّرَ؛ على التكثير.

وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا١٠

(10) ﴿وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وهو النارُ، أي: يُبشِّرُ المؤمنينِ بِشارتَين: بثوابِهم في الآخرةِ، وبعقابِ أعدِائهم.

وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا١١

(11) ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ﴾ عندَ غضبِهِ ﴿بِالشَّرِّ﴾ على نفسِه ﴿دُعَاءهُ﴾ أي: كما يدعو اللهَ ﴿بِالْخَيْرِ﴾ ولو استجابَ اللهُ دعاءَهُ على نفسِه، لهلَكَ، ولكنَّ اللهَ لا يستجيبُ له بفضْله ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا﴾ ضجِرًا، لا صبرَ له على السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ.

وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا١٢

(12) ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾ علامتينِ يُستدَلُّ باختلافِهما على الوحْدَانيةِ والقدرةِ ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ طَمَسْنا ضوءَهُ ﴿وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾ أي: بَيِّنةً تُبْصَرُ بها الأشياءُ ﴿لِتَبْتَغُواْ﴾ لِتَطْلُبوا في النهارِ ﴿فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أسبابَ معاشِكم ﴿وَلِتَعْلَمُواْ﴾ بها ﴿عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ أي: لو تركَ اللهُ الشمسَ والقمرَ كما خَلَقَهما، لم يُعرَفِ الليلُ من النهار، ولم يُعلَمْ وقتُ فطرِ الصائمِ، ولا وقتُ الحجِّ ونحوُهما ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا﴾ بيَّناه بيانًا ظاهرًا.

وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا١٣

(13) ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ﴾ عمَلَه ﴿فِي عُنُقِهِ﴾ لا يُفارقُه. وخُصَّ العنقُ بالذِّكرِ؛ لأنَّ الإلزامَ فيها أشدُّ ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا﴾ هي صحيفةُ عملِه ﴿يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴾ مبيِّنًا مشروحًا، أي: يراه منشورًا.

ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا١٤

(14) ﴿اقْرَأْ﴾ أي: يُقال له: اقرأ ﴿كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ أي: محاسِبًا، وفوَّضَ تعالى حسابَ العبدِ إليه؛ لئلَّا يُنْسَبَ إلى الظُّلمِ، ولِتجِبَ الحجَّةُ عليهِ باعترافِه.

مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا١٥

(15) ﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ﴾ أي: من اجتهَدَ حتى يهتديَ، فله ثوابُه ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ أي: تغافلَ حتى ضلَّ ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ لأنَّ عليها عقابَه ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ ولا تحملُ نفسٌ آثمةٌ ﴿وِزْرَ﴾ إثمَ نفسٍ ﴿أُخْرَى﴾ لأن كُلًّا مطالَبٌ بعملِه. وأصلُ الوزرِ: الثِّقلُ ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا﴾ يُنذرُ ويُبيِّنُ الشرائعَ، فلا حكمَ قبلَ الشرع، بل الأمرُ موقوفٌ إلى ورودِهِ.

وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا١٦

(16) ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ مُنَعَّمِيها، أي: أمرناهم بالطَّاعةِ ﴿فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾ فخَرجوا عن الطاعةِ ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ﴾ وجَبَ عليها الوعيدُ ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ أهلكناها وما فيها هلاكَ استئصالٍ.

وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا١٧

(17) ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ﴾ المُكذِّبةِ ﴿مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ كعادٍ وثمودَ، ومعناه: أنكم أيها المُكذِّبون لستُم أكرمَ على الله منهم، وقد كذَّبتُم أشرفَ الرسل وأكرَم الخلائق، فعُقوبتُكم أَولى وأَحرى، والقرنُ: مئةُ سنةٍ على الأصحِّ ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا﴾ فيُعاقِبُ عليها، والتقديرُ: وكفى ربُّك.

page 284

مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا١٨

(18) ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ﴾ يعني: الدنيا، مقصورًا عليها هَمُّهُ ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء﴾ من البَسْطِ والتقتيرِ وغيرِهما، لا ما يشاءُ هو ﴿لِمَن نُّرِيدُ﴾ أن نفعلَ له ذلكَ، أو إهلاكَه، قيَّدَ المعجَّلَ والمعجَّلَ له بالمشيئةِ والإرادة؛ لأنه لا يجدُ كُلُّ مُتَمَنٍّ ما يتمنَّاه، ولا كلُّ واحدٍ جميعَ ما يهواهُ ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا﴾ يدخُلُها ﴿مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ مطرودًا من رحمةِ اللهِ.

وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا١٩

(19) ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ﴾ إرادةَ يقينٍ بها، وإيمانٍ باللهِ وبرسالاته ﴿وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾ وهي ملازمةُ أعمالِ الخيرِ وأقوالِهِ على حُكِمِ الشَّرعِ ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾ مقبولًا، ولا يشكرُ اللهُ عملًا ولا سعيًا إلا أثابَ عليهِ، وغفرَ بسببِهِ.

كُلّٗا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا٢٠

(20) ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء﴾ أي: نُمِدُّ كلَّ واحدٍ من الخلائقِ، الطائعَ والعاصي ﴿مِنْ عَطَاء رَبِّكَ﴾ رزقِهِ ﴿وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ ممنوعًا في الدنيا عن مؤمنٍ وكافرٍ تفضُّلًا.