الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي

الثعلبي القرن الخامس الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 237

فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوٓاْ أَن يَجۡعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَٰذَا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ ١٥

{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ } في الكلام إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلمّا ذهبوا به { وَأَجْمَعُواْ } وعزموا على { أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَبَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْه } هذه الواو مقحمة زائدة تقديره أوحينا ، كقوله تعالى

{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ } [ الصافات : 103104 ] أي ناديناه وقال امرؤ القيس :

فلما أجزنا ساحة الحيّ وانتحى *** بنا بطن خبت ذي قفاف عقنقل

أراد انتحى .

{ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } يعني أوحينا إلى يوسف ، [ سوف تتحقق ] رؤياك ، ولتخبرنّ إخوتك بصنيعهم هذا وما فعلوه بك ، وهم لا يشعرون بوحي الله إليه وإعلامه إياه ذلك ، وهذا معنى قول مجاهد ، وقيل : معناه وهم لا يشعرون أنك يوسف .

قال ابن عباس : لما دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون دعا بالصواع فوضعه على يده ثم نقره فطنَّ وقال : أنه ليخبرني هذا الجام إنه كان لكم أخ من أبيكم يقال له يوسف ، يدنيه دونكم ، وإنكم انطلقتم به فألقيتموه في غيابة الجب ثم جئتم أباكم فقلتم : إن الذئب أكله وبعتموه بثمن خس ، فذلك قوله { لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

قال السدّي : أرسل يعقوب يوسف معهم فأخرجوه وبه عليهم من الكرامة ، فلمّا برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه ، فجعل لا يجد منهم رحمة ، فضربوه حتى كادوا يقتلونه فجعل يصيح ويقول : يا أبتاه يا يعقوب ، لو تعلم ما يصنع بابنك هؤلاء الأبناء .

فلمّا كادوا ليقتلوه قال يهودا : أليس سألنا أبانا موثقاً ألاّ تقتلوه ؟ فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فجعلوا يدلونه في البئر ، فتعلق بشفير البئر فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال : يا إخوتاه ، ردّوا عليّ القميص أتوارى به في الجب ، فقالوا : ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكباً تؤنسك ، قال : إنّي لم أرَ شيئاً .

فدلوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت ، وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم أوى إلى صخرة فيه فقام عليها ، فلمّا ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنّها رحمة أدركتهم ، فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه فقام يهودا فمنعهم وقال : قد أعطيتموني موثقاً ألاّ تقتلوه ، وكان يهودا يأتيه بالطعام . ويقال : إن الله تعالى أمر صخرة حتى ارتفعت من أسفل البئر فوقف يوسف عليها وهو عريان ، وكان إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين أُلقي في النار جرّد من ثيابه وقذف في النار عرياناً فأتاه جبريل ( عليه السلام ) بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه وكان ذلك [ القميص ] عند إبراهيم ، فلمّا مات ورثه إسحاق ، فلمّا مات إسحاق ورثه يعقوب ، فلمّا شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص في تعويذ وعلّقه في عنقه ، فكان لا يفارقه ، فلمّا أُلقي في البئر عرياناً جاء جبرئيل وكان عليه ذلك التعويذ أخرج القميص منه وألبسه إياه ، قال ابن عباس : ثم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف .