ثم فسر الطريق المستقيم ، فقال : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّينَ }
قلت : { صراط } بدل من الأول - بدل الكل من الكل - وهو في حكم تكرير العامل من حيث إنه المقصود بالنسبة ، وفائدته : التوكيد والتنصيص على أن طريق المسلمين هو المشهود عليه بالاستقامة ، على آكد وجه وأبلغه ؛ لأنه جعله كالتفسير والبيان له ، فكأنه من البيِّن الذي لا خفاء فيه ، وأن الصراط المستقيم ما يكون طريق المؤمنين ، و{ غير المغضوب عليهم } بدل من { الذين } على معنى أن المُنْعَمَ عليهم هم الذي سَلِمُوا من الغضب والضلال . أو صفة له مُبيَّنة أو مقيدة على معنى أنهم جمعوا بين النعمة المطلقة ، وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من الغضب والضلال ، وذلك إنما يصح بأحد تأويلين : إجراء الموصول مجرى النكرة ، إذ لم يُقصد به معهود كالمعرَّف في قوله :
ولَقَد أَمُرُ علُى اللئيم يَسُبنّي *** . . .
أو يُجعل { غير } مَعْرِفةً ؛ لأنه أُضيف إلى مآلَهُ ضدٍّ واحد ، وهو المنعمُ عليه ، فيتعينُ تَعيُّن الحركة غير السكون ، وإلا لزِم عليه نعت المعرفة بالنكرة . فتأملْهُ .
والغضبُ : ثَوَرانُ النفس إرادةَ الانتقام ، فإذا أسند إلى الله تعالى أريد غايته وهو العقوبة ، و{ عليهم } نائب فاعل : و{ لا } مَزيدة لتأكيد ما في { غير } من معنى النفي ، فكأنه قال : ولا المغضوب عليهم ولا الضالين ، وقرأ عمرُ رضي الله عنه : { وغير الضالين } ، والضلال : والعدول عن الطريق السوي عمداً أو خطأً ، وله عرض عَريضٌ والتفاوت بين أدناه وأقصاه كبير . قاله البيضاوي .
وإنما أَسند النعمة إلى الله والغضبَ إلى المجهول تعليماً للأدب ، { مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ . . . } [ النِّساء : 79 ] الآية .
يقول الحقّ جلّ جلاله : في تفسير الطريق المستقيم : هو طريق الذين أنعمتُ عليهم بالهداية والاستقامة ، والمعرفة العامة والخاصة ، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، والمُنعَم عليهم في الآية مطلق ، يصدق كل منعَم عليه بالمعرفة والاستقامة في دينه ، كالصحابة وأضرابِهِمْ ، وقيل : المراد بهم أصحاب سيدنا موسى عليه السلام قبل التحريف . وقيل : أصحاب سيدنا عيسى قبل التغيير . والتحقيق أنه عام .
قال البيضاوي : ونِعَمُ الله وإن كانت لا تُحصى كما قال الله : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَآ } [ إبراهيم : 34 ] تنحصر في جنسين : دنيوي وأخروي .
فالأول : وهو الدنيوي - قسمان : موهبي وكَسْبِي ، والموهبي قسمان : رُوحاني ، كنفخ الروح فيه وإشراقه بالعقل وما يتبعه من القوي ، كالفهم والفكر والنطق ، وجسماني : كتخليق البدن بالقوة الحالة فيه والهيئات العارضة له من الصحة وكمال الأعضاء . والكسبي : كتزكية النفس عن الرذائل ، وتحليتها بالأخلاق الحسنة والملكات الفاضلة ، وتزيين البدن بالهيئات المطبوعة والحُلي المستحسنة ، وحصول الجاه والمال .
والثاني : وهو الأُخروي : أن يغفر له ما فَرَطَ منه ويرضى عنه ويُبوأهُ في أعلى علِّيين ، مع الملائكة المقربين أبد الآبدين ، والمراد القسمُ الأخير ، وما يكون وُصْلة إلى نيله من القسم الأول ، وأما ما عدا ذلك فيشترك فيه المؤمن والكافر . ه .
قال ابن جُزَيّ : النعم التي يقع عليها الشكر ثلاثة أقسام ، دنيوية : كالصحة والعافية والمال الحلال . ودينية : كالعلم والتقوى والمعرفة . وأخرويةٌ : كالثواب على العمل القليل بالعطاء الجزيل : وقال أيضاً : والناس في الشكر على مقامين : منهم مَن يشكر على النعم الواصلة إليه ، الخاصة به ، ومنهم مَن يشكر الله عن جميع خلقه على النعم الواصلة إلى جميعهم . والشكر على ثلاث درجات : فدرجة العوام ، الشكر على النعم ، ودرجة الخواص : الشكر على النعم والنقم وعلى كل حال ، ودرجة خواص الخواص : أن يغيب عن رؤية النعمة بمشاهدة المُنعم . قال رجل لإبراهيم بن أدهَمَ رضي الله عنه : الفقراء إذا أُعْطُوا شَكَرُوا وإذا مُنعوا صَبَروا ، فقال إبراهيم : هذه أخلاقُ الكلاب ، ولكن القومَ إذا مُنِعوا شكروا وإذا أُعْطُوا آثروا . ه .
ثم احترس من الطريق غير المستقيمة ، فقال : { غير المغضوب عليهم } أي : غير طريق الذين غضبت عليهم ، فلا تهدنا إليها ولا تسلك بنا سبيلها ، بل سلَّمنَا من مواردها . والمراد بهم : اليهود ، كذا فسرها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ويَصْدُقُ بحسب العموم على كل من غضب الله عليهم ، { ولا الضالين } أي : ولا طريق الضالين ، أي : التالفين عن الحق ، وهم النصارى كما قال صلى الله عليه وسلم . والتفسيران مأخوذان من كتاب الله تعالى . قال تعالى في شأن اليهود :
{ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ }
[ البَقَرَة : 90 ] ، وقال في حق النصارى :
{ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ السَّبِيلِ }
[ المَائدة : 77 } .
واعلم أن الحق - سبحانه - قسم خلقه على ثلاثة أقسام : قسم أعدَّهم للكرم والإحسان ، ليُظْهِرَ فيهم اسم الكريم أو الرحيم ، وهو المنعم عليه بالإيمان والاستقامة . وقسم أعدَّهم للانتقام والغضب ، ليُظهر فيهم اسمه المنتقم أو القهار ، وهم المغضوب وعليهم والضالون عن طريق الحق عقلاً أو عملاً ، وهم الكفار ، وقسم أعدَّهم الله للحِلْم والعفو ، ليُظهر فيهم اسمه تعالى الحليم والعفو ، وهم أهل العصيان من المؤمنين .
فمن رَامَ أن يكونَ الوجودُ خالياً من هذه الأقسام الثلاثة ، وأن يكون الناس كلهم سواء في الهداية أو ضدها ، فهو جاهل بالله وبأسمائه ؛ إذ لا بد من ظهور آثار أسمائه في هذا الآدمي ، من كرم وقهرية وحِلْم وغير ذلك . والله تعالى أعلم .
الإشارة : الطريق المستقيم التي أمرنا الحق بطلبها هي : طريق الوصول إلى الحضرة ، التي هي العلم بالله على نعت الشهود والعيان ، وهو مقام التوحيد الخاص ، الذي هو أعلى درجات أهل التوحيد ، وليس فوقه إلا مقامُ توحيد الأنبياء والرسل ، ولا بد فيه من تربية على يد شيخ كامل عارف بطريق السير ، قد سلك المقامات ذوقاً وكشفاً ، وحاز مقام الفناء والبقاء ، وجمع بين الجذب والسلوك ؛ لأن الطريق عويص ، قليلٌ خُطَّارُهُ ، كثيرٌ قُطَّاعُه ، وشيطانُ هذا الطريق فَقِيهٌ بمقاماته ونوازِله ، فلا بد فيه من دليل ، وإلا ضلّ سالكها عن سواء السبيل ، وإلا هذا المعنى أشار ابن البنا ، حيث قال :
وَإِنَّمَا القَوْمُ مُسَافِرُونَ *** لِحَضْرَةِ الْحَقِّ وَظَاعِنُونَ
فَافْتَقَرُوا فِيهِ إلَى دَلِيل *** ذِي بَصَرٍ بالسَّيْرِ وَالْمَقِيلِ
قَدْ سَلَكَ الطَّرِيقَ ثُمَّ عَادَ *** لِيُخْبِرَ الْقَوْمَ بِمَا اسْتَفَادَ
وقال في لطائف المنن : ( من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع ، ويكشف له عن قلبه القناع ، فهو في هذا الشأن لَقيطٌ لا أب له ، دَعِيٍّ لا نَسَبَ له ، فإن يكن له نور فالغالب غلبة الحال عليه ، والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه ، لم تَرْضْهُ سياسةُ التأديب والتهذيب ، ولم يَقُدْهُ زمَامُ التربية والتدريب ) ، فهذا الطريق الذي ذكرنا هو الذي يستشعره القارئ للفاتحة عند قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } مع الترقي الذي ذكره الشيخ أو العباس المرسي رضي الله عنه المتقدم ، وإذا قرأ { صراط الذين أنعمت عليهم } استشعر ، أَيْ : أنعمتَ عليهم بالوصول والتمكين في معرفتك .
وقال الورتجبي : اهدنا مُرَادَك مِنَّا ؛ لأن الصراط المستقيم ما أراد الحق من الخلق ، من الصدق والإخلاص في عبوديته وخدمته . ثم قال : وقيل : اهدنا هُدَى العِيَانِ بعد البيان ، لتستقيم لك حسب إرادتِك . وقيل : اهدنا هُدَى مَنْ يكون منك مبدؤه ليكون إليك منتهاه . ثم قال : وقال بعضهم : اهدنا ، أي : ثبِّتْنا على الطريق الذي لا اعوجاج فيه ، وهو الإسلام ، وهو طريق المستقيم والمنهاج القويم { صراط الذين أنعمت عليهم } أي : منازل الذين أنعمت عليهم بالمعرفة والمحبة وحسن الأدب في الخدمة . ثم قال : { غير المغضوب عليهم } يعني : المطرودين عن باب العبودية ، { ولا الضالين } يعني المُفْلِسين عن نفائس المعرفة . ه .
قلت : والأحسن أن يقال : { غير المغضوب عليهم } هم الذين أَوْقَفَهُمْ عن السير اتباعُ الحظوظ والشهوات ، فأوقعهم في مَهَاوِي العصيان والمخالفات ، { ولا الضالين } هم الذين حبسهم الجهل والتقليد ، فلم تنفُذْ بصائرهم إلى خالص التوحيد ، فنكصوا عن توحيد العيان إلى توحيد والبرهان ، وهو ضلال عند أهل الشهود والعِيان ، ولو بلغ في الصلاح غايةَ الإمكان .
وقال في الإحياء : إذا قلت : { بسم الله الرحمان الرحيم } فافْهَمْ أن الأمور كلها بالله ، وأن المراد ها هنا المُسمَّى ، وإذا كانت الأمورُ كلها بالله فلا جرَم أنَّ الحمد كله لله ، ثم قال : وإذا قلت : { الرحمان الرحيم } فأحضرْ في قلبك أنواعَ لطفه لتتفتحَ لك رحمتُه فينبعث به رجاؤُك ، ثم استشعر من قلبك التعظيم والخوف من قولك : { يوم الدين } . ثم قال : ثم جَدَّد الإخلاص بقولك : { إياك نعبد } . وجدَّد العجز والاحتياج والتبرِّيَ من الحوْل والقوة بقولك : { وإياك نستعين } ، ثم اطلب اسم حاجتك ، وقل : { اهدنا الصراط المستقيم } الذي يسوقنا إلى جوارك ويُفضي بنا إلى مرضاتك ، وزِدْهُ شرحاً وتفصيلاً وتأكيداً ، واستشهد بالذين أفاض عليهم نعم الهداية من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، دون الذين غضب عليهم من الكفار والزائغين واليهود والنصارى والصابئين . ه . ملخصاً .
وقال القشيري : قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } الأمر في هذه الآية مضمر ، أي : قولوا : اهدنا . والصراط المستقيم : طريق الحق ، وهو ما عليه أهل التوحيد ، أي : أرشدْنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات ، فيقعَ على وجه التوحيد غُبَارُ الظنون والحسابات لتكون دليلنا عليك ، ثم قال : { صراط الذين أنعمت عليهم } أي : الواصلين بك إليك ، ثم قال : { غير المغضوب عليهم } بنسيان التوفيق والتَّعامِي عن رؤية التأييد ، { ولا الضالين } عن شهودِ سابقِ الاختيار ، وجريان تصاريف الأقدار . ه .
تتمات
الأولى : هذه السورة جمعت معاني القرآن كلها ، فكأنها نسخة مختصرة منه ، ولذلك سميت أم القرآن ، فالإلهيات حاصلة من قوله : { الحمد لله رب العالمين ، الرحمان الرحيم } ، والدار الآخرة من قوله : { ملك يوم الدين } ، والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام الظاهرة التي تقتضيها الأوامر النواهي ، من قوله : { إياك نعبد } والمقامات وأسرار المعاملات الباطنة – تخلية وتحلية - من قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } والأنبياء وغيرهم من قوله : { الذين أنعمت عليهم } وذكر طوائف الكفار من قوله : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } .
وقال الشيخ ابن أبي جمرة رضي الله عنه في بيان تضمنها لكتاب الله : إن لفظ { الحمد } يتضمن كل ما في كتاب الله من الحمد والشكر ؛ لأن الحمد أعم من الشكر ؛ وأتي بالعام ليدل على الصفتين . ولفظة ( الله ) تدل على ما في الكتاب العزيز من أسماء الترفيع والتعظيم ؛ لأنه قيل : إنه اسم الله الأعظم ، ولفظ : { رب العالمين } يدل على ما فيه من أسماء الله ، سبحانه ، وعلى العوالم وعلى اختلافها وخالقها والمتصرف فيها . ولفظ : { الرحمان الرحيم } يتضمن كل ما في الكتاب من المغفرة والرحمة والإنعام والعفو والإفضال ، ولفظ { ملك يوم الدين } يدل على ما فيه من ذكر الآخرة وما فيه من الأهوال ، ولفظ { إياك نعبد } يتضمن ما فيه من التعبدات وإفراده بالألوهية ، ولفظ { إياك نستعين } يدل على ما فيه من طلب الاستعانة وذكر الاضطرار ، ولفظ { اهدنا الصراط المستقيم } يتضمن ما فيه من طلب الهداية إلى سبيل الخير ، ولفظ : { صراط الذين أنعمت عليهم } يتضمن ما فيه من ذكر الخصوص والمرضي عنهم والمعفو عنهم وأهل السعادة ، ولفظ { غير المغضوب عليهم } يتضمن ما فيه من أنواع الكفر والمخالفات ومساوئهم ومآلهم فاستحقت أن تسمى أما . ه .
وعن علي – كرم الله وجهه- قال : ( شرح موسى عليه السلام التوراة في سبعين سفرا ، ولو أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأوقرت على الفاتحة سبعين بعيرا ) . قلت : قوله : ( سبعين ) تقريبا ، وإلا فهي قابلة لأكثر من ذلك ، وتفصيل ذلك يطول ، وقد ذكرنا أصول علومها في شرحنا الكبير عليها . والله تعالى أعلم .
الثانية : قال ابن جزي : قولنا : { الحمد لله رب العالمين } أفضل عند المحققين من ( لا إله إلا الله ) لوجهين : أحدهما : ما خرج النسائي : عند رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه من قال : لا إله إلا الله ، كتبت له عشرون حسنة ، ومن قال : { الحمد لله رب العالمين } ، كتبت له ثلاثون حسنة " . والثاني : أن التوحيد الذي تقتضيه ( لا إله إلا الله ) ، حاصل في قولك : { رب العالمين } وزادت بقولك : الحمد لله ، وفيه من المعاني ما قدمنا . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " أفضل ما قلته أنا والنبيون من قلبي : لا إله إلا الله " فإنما ذلك للتوحيد الذي تقتضيه ، وقد شاركتها { الحمد لله رب العالمين } في ذلك وزادت عليها . وهذا لمؤمن حقق إيمانه وطلب الثواب ، وأما لمن دخل في الإسلام فيتعين " لا إله إلا الله " . ه .
قلت : والتحقيق أن كل ما يدل على التوحيد من الألفاظ يكفي في الدخول في الإسلام ، كما قال البناني في حاشيته .
الثالثة : قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة عند مالك والشافعي خلافا لأبي حنيفة ، وقد ذكرنا في الشرح الكبير منشأ الخلاف .
الرابعة : التأمين عند ختم الفاتحة مطلوب للدعاء الذي فيها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين " . رواه ابن ماجة . وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : " إن الله أعطاني خصالا ثلاثة : أعطاني صلاة الصفوف وأعطاني التحية وإنها لتحية أهل الجنة ، وأعطاني التأمين ، ولم يعطه أحدا من النبيين قبلي ، إلا أن يكون الله أعطاه هارون ، يدعو موسى ويؤمن هارون " رواه ابن خزيمة . وسمع عليه الصلاة والسلام رجلا يدعو ويلح فقال : " أوجب إن ختم " فقال بعض القوم : بأي شيء يختم ؟ فقال : " يؤمن ؛ فإنه إن ختم بآمين فقد أوجب " قال أبو زهير- راوي الحديث- فإن آمين مثل الطابع على الصحيفة . ولعله مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو داود .
ولفظ : { آمين } [ المائدة : 2 ] بالمد والقصر مخففا . وتشديد الميم لغة . قيل : هو اسم من أسماء الله تعالى . . . . وقيل معناه : اللهم استجب ، أو كذلك فافعل ، أو كذلك فليكن . قاله المنذري في الترغيب . قال البيضاوي : بنى على الفتح كأين لالتقاء الساكنين وجاء مد ألفه وقصرها . قال :
ويرحم الله عبدا قال آمينا *** . . .
وليس من القرآن اتفاقا ، ولكن يسن ختم السورة به لقوله عليه الصلاة والسلام : " علمني جبريل عليه السلام آمين عند فراعي من قراءة الفاتحة " . وقال : إنه كالختم على الكتاب .
ويقوله الإمام ويجهر به في الجهرية ، لما روي عن وائل بن حجر " أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا قرأ : { ولا الضالين } [ الفاتحة : 7 ] قال : آمين ، رفع بها صوته " وعن أبي حنيفة – رحمه الله - أنه لا يقوله . والمشهور عنه أنه يخفيه كما رواه عبد الله بن مغفل وأنس . قلت : ومشهور مذهب مالك أن الإمام لا يقوله في الجهرية .
ثم قال : والمأموم يؤمن معه لقوله – عليه الصلاة والسلام- : " إذا قال الإمام ولا الضالين ، فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول : آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " . وبالله التوفيق ، وهو الهادي إلى سواء الطريق . وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد عين الحق والتحقيق ، وعلى آله وصحبه المطهرين بعده ، أعلام الطريق ، وسلم تسليما .