فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب

تعيلب القرن الخامس عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 1

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢

{ الحمد لله }

الحمد : هو الثناء بالقول على المحمود بصفاته اللازمة والمتعدية[18] . وأما المدح فهو أعم من الحمد إذ قد يمدح الطعام والمكان ونحو ذلك . هذا من وجهة نظر اللغويين .

أما أئمة التفسير فقالوا في معنى { الحمد لله } : الثناء على الله بصفاته خالصا له دون سائر ما يعبد من دونه ، ودون كل ما برأ من خلقه بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد ، في تصحيح الآلات لطاعته ، وتمطين جوارح أجسام المكلفين لأداء فرائضه ، مع ما بسط لهم في دنياهم من الرزق وغذاهم من نعيم العيش ، من غير استحقاق منهم ذلك عليه ، ومع ما نبههم من الأسباب المؤدية إلى دوام الخلود في دار المقام في النعيم المقيم . فلربنا الحمد على ذلك كله أولا وآخرا .

ونقل ابن جرير عن ابن عباس : قل يا محمد : الحمد لله ؛ و( ال ) للاستغراق . ويرى أن ( الحمد لله ) ثناء أثنى به على نفسه وفي ضمنه أمر عباده أن يثنوا عليه فكأنه قال : قولوا الحمد لله .

وأورد ابن كثير : أن الألف واللام في ( الحمد ) لاستغراق جميع أجناس الحمد وصنوفه لله تعالى . [19]

وفرق الحسن النيسابوري صاحب تفسير " غرائب القرآن ورغائب الفرقان " فرق بين الحمد والمدح فقال : ( الحمد ) للحي ؛ والمدح للحي ولغير الحي كاللؤلؤة والياقوتة ، والمدح قد يكون قبل الإحسان ؛ والحمد إنما يكون بعد الإحسان . والحمد مأمور به مطلقا[20] . وذهب إلى أن المعنى : المحامد التي أتى بها الأولون والآخرون من الملائكة والثقلين[21] لله تعالى ، وكذا المحامد التي سيذكرونها إلى وقت قوله تعالى : { دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }[22] وإلى أبد الآبدين .

ويرى أبو عبد الله محمد ابن أحمد الأنصاري القرطبي أن { الحمد لله } توحيد وحمد ؛ و( الحمد ) أعم من الشطر ؛ إذ ( الحمد ) ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسان ، والشكر ثناء على المشكور بما أولى من إحسان .

وأورد الألوسي صاحب " روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني " أن ( الحمد ) يشترط له –شرعا - أن يكون الحامد معظما بثنائه للمحمود ظاهرا وباطنا . كما روى : أن الشكر يكون -غالبا- بالعمل كما جاء في الآية الكريمة : { . . اعملوا آل داود شكرا . . }[23] .

و( الله ) علم على الرب تبارك وتعالى ، ويقال : إنه الاسم الأعظم ؛ لأنه يوصف بجميع الصفات . كما قال جل ثناؤه : { هو الله الخالق البارئ المصور . . }[24] وهو اسم لم يسم به غير الله عز وجل[25] .

{ رب }

سيد مطاع ومصلح مرب ، ومالك ؛ فربنا جل ثناؤه المعبود الذي لا مثل له ولا ند في عظمته وهيمنته ، والمصلح أمر خلقه بما تولاهم به وأسبغه عليهم من رعايته ونعمته وهداه ، والمالك الذي له الخلق والأمر .

{ العالمين }

جمع عالم ، وهو الصنف من الأمم ، فالإنس عالم ، وكل أهل زمان منهم عالم ذلك الزمان ، والجن عالم ، وكذلك سائر أجناس الخلق ، كل جنس منها عالم زمانه[26] .

وأما عن منزلة الحمد وفضل الحامدين فإن الحمد كلمة كل شاكر ، وذكر رددته أنبياء الله ورسله ، وتعبدهم به المولى سبحانه ؛ قال الله –عز شأنه- لنوح عليه السلام { . . فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين }[27] ؛ كما قال جل ثناؤه- حكاية عن إبراهيم عليه السلام - : { الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق . . . }[28] ؛ وقال في قصة داود وسليمان { . . وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين }[29] ؛ وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم { وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا . . } [30] وأهل الجنة يقولون – كما علمنا القرآن العظيم { . . الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن }[31] . { . . وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }[32] .

ولقد كان خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم –وهو خير قدوة وأكرم أسوة – حامدا لله تعالى على كل حال[33] .

وروى مسلم في صحيحه عن أنس ابن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) .

وروى البخاري والترمذي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رفعت مائدته قال : ( الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفئ ولا مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا ) .

وروى مسلم عن أنس أنه كان إذا أوى إلى فراشه قال ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كَافِيَ لَهُ كفا له ولا مُؤْوِيَ مؤوى له ) .

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يقول ( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد . . ) .

ومما روى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان ) .