سورة ق مكية
وهي خمس وأربعون آية وثلاث ركوعات
{ بل عجبوا[4713] } : الكافرون ، { أن جاءهم منذر منهم } إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب ، فإنهم قالوا : الرسول إما ملك ، أو من معه ملك ، أو بشر لا يحتاج إلى كسب المعاش ، { فقال الكافرون هذا شيء عجيب } ، وضع الظاهر موضع المضمر للشهادة على أنهم في هذا القول مقدمون على الكفر ، وهذا إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده ، وهو قوله : { أئذا متنا وكنا ترابا }
{ أئذا متنا وكنا ترابا } أي : أنرجع حين نموت ونملي ؟ ! { ذلك رجع بعيد } : عن العادة والإمكان ،
{ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم[4714] } : ما تأكل الأرض من أجساد موتاهم ، ومن كان كذلك فهو قادر على رجعهم ، { وعندنا كتاب حفيظ } : حافظ لتفاصيل كل شيء ، أو محفوظ من التغيير ، وهو اللوح المحفوظ ،
{ بل كذبوا بالحق } : القرآن ، { لما جاءهم } كأنه قال ، بل جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم ، وهو إنكار القرآن من غير تأمل وتوقف ، { فهم في أمر مريج } : مضطرب ، فمرة قالوا : شعر ومرة : سحر ،
{ أفلم ينظروا } : حين أنكروا البعث ، { إلى السماء فوقهم } أي : كائنة فوقهم ، { كيف بنيناها وزيناها } : بالكواكب ، { وما لها من فروج } : من فتوق ، بل ملساء لا فتق فيها ولا خلل ،
{ والأرض } ، عطف على محل السماء ، أو نصب بما أضمر عامله وتقديره ، ومددنا الأرض فلينظروا إليها ، { مددناها } : بسطناها ، ووسعناها قيل : فيه إشعار بأنها غير كرّية ، { وألقينا فيها رواسي } : جبالا ثوابت ، { وأنبتنا فيها من كل زوج } : صنف ، { بهيج } : حسن ،
{ تبصرة وذكرى } ، مفعول له للأفعال المذكورة كأنه قال جمعت بين ذلك تبصرة ، { لكل عبد منيب } : راجع إلى ربه متفكر في بدائعه ،
{ ونزّلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات } : أشجارا ، { وحب الحصيد } حب الزرع الذي يحصد كالحنطة والشعير ،
{ والنخل باسقات } : طوال شاهقات ، حال مقدرة ، { لها طلع } هو أول ما يظهر قبل أن ينشق ، { نضيد } : منضود بعضه على بعض في أكمامه ، والمراد كثرة ما فيه من الثمر ،
{ رزقا للعباد } ، مفعول له لأنبتنا ، { وأحيينا به } : بالماء ، { بلدة ميتا } : أرضا لا نماء فيها ، { كذلك الخروج[4715] } : من القبور ،
{ كذبت[4716] قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون } ، أراد قومهم ، { وإخوان لوط } أي : قومهم ، وسماهم إخوانه لقرابته القريبة ،
{ وأصحاب الأيكة وقوم تبع } ، سبق في الدخان ، { كل } أي : كل واحد من هؤلاء ، { كذب الرسل } : من كذب رسولا فقد كذب جميع الرسل ، { فحق وعيد } : وجب عليهم عذابي ،
{ أفعيينا بالخلق الأول } أي : إنا لم نعجز كما علموا عن بدء الخلق حتى نعجز عن الإعادة ، { بل هم في لبس من خلق جديد } أي : هم لا ينكرون قدرتنا ، بل هم في شبهة من البعث .
{ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } : ما يخطر بضميره ، " ما " موصولة والباء صلة لتوسوس أي : الذي تحدث نفسه به أو مصدرية ، والباء للتعدية والضمير للإنسان ، { ونحن أقرب[4717] إليه } المراد قرب علمه منه فتجوز بقرب الذات ، لأنه سبب أو المراد قرب الملائكة منه ، { من حبل } : عرق ، { الوريد } : عرق العنق ، والإضافة بيانية ،
{ إذ يتلقى } : يتلقن بالحفظ ، { المتلقيان } : الملكان الحفيظان ، إذ ظرف لأقرب ، وفيه إشعار بأنه تعالى غني عن استحفاظ الملكين لكن إقامتها لحكمة ، أو إذ تعليل لقرب الملائكة ، { عن اليمين } : قعيد ، { وعن الشمال قعيد } ، حذف المبتدأ من الأول لدلالة الثاني عليه ، وقيل : الفعيل للواحد والجمع ،
{ ما يلفظ من قول إلا لديه } : لدى القول ، أو الإنسان ، { رقيب } : ملك يرقبه ، { عتيد } : حاضر ، وهل يكتب كل شيء ؟ فيثبت في القيامة ما كان فيه من خير أو شر وألقى سائره ، أو لا يكتب إلا الخير والشر ؟ فيه خلاف بين السلف ، والقرآن يشعر بالأول ، ولو قيل : المراد من قوله إلا لديه[4718] رقيب ملك يسمعه لا يحفظه ، ويكتبه فقلنا : فالمناسب رقيبان ، لأن السماع لا يختص بواحد ،
{ وجاءت سكرة الموت } : شدته ، { بالحق } ، بالباء للتعدية أي : أتت بحقيقة الأمر الذي كنت تمتري فيه ، { ذلك } : الحق ، { ما كنت منه تحيد } : تميل فلم تقربه ، لما ذكر إنكارهم البعث ، واحتج عليهم بشمول علمه وقدرته أعلمهم أن ما أنكروه يلاقون عن قريب فنبه على الاقتراب بلفظ الماضي ، أو معناه جاءت سكرته متلبسة بالحكمة ذلك الموت ما كنت تفر منه ،
{ ونفخ في الصور } أي : نفخة البعث ، { ذلك } : النفخ أي : وقته ، { يوم الوعيد }