تفسير سورة النحل
هذه السورة كانت تسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده ، وهي مكية غير قوله تعالى : { وإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } الآية ، نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة رضي الله عنه وقتلى أحد ، وغير قوله تعالى : { واصبر و ما صبرك إلا بالله } ، وغير قوله : { ثم إن ربك للذين هاجروا } الآية ، وأما قوله تعالى : { والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا } فمكي في شأن هجرة الحبشة[1] .
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال جبريل في سرد الوحي : { أتى أمر الله } وثب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً ، فلما قال { فلا تستعجلوه } سكن[7238] . وقوله { أمر الله } قال فيه جمهور المفسرين : إنه يريد القيامة وفيها وعيد للكفار ، وقيل : المراد نصر محمد عليه السلام ، وقيل : المراد تعذيب كفار مكة بقتل محمد صلى الله عليه وسلم لهم وظهوره عليهم ، ذكر نحو هذا النقاش عن ابن عباس ، وقيل : المراد فرائض الله وأحكامه في عباده وشرعه لهم ، هذا هو قول الضحاك ، ويضعفه قوله { فلا تستعجلوه } إنا لا نعرف استعجالاً إلا ثلاثة اثنان منها للكفار وهي في القيامة وفي العذاب ، والثالث للمؤمنين في النصر وظهور الإسلام ، وقوله { أتى } على هذا القول إخبار عن إتيان ما يأتي ، وصح ذلك من جهة التأكيد ، وإذا كان الخبر حقاً فيؤكد المستقبل بأن يخرج في صيغة الماضي ، أي كأنه لوضوحه والثقة به قد وقع ، ويحسن ذلك في خبر الله تعالى لصدق وقوعه ، وقال قوم : { أتى } بمعنى قرب ، وهذا نحو ما قلت ، وإنما يجوز الكلام بهذا عندي لمن يعلم قرينه التأكيد ويفهم المجاز ، وأما إن كان المخاطب لا يفهم القرينة فلا يجوز وضع الماضي موضع المستقبل ، لأن ذلك يفسد الخبر ويوجب الكذب ، وإنما جار في الشرط لوضوح القرينة ب { أن } ، ومن قال : إن الأمر القيامة ، قال : إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على المكذبين بالبعث القائلين متى هذا الوعد ، ومن قال : إن الأمر تعذيب الكفار بنصر محمد صلى الله عليه وسلم وقتله لهم ، قال إن قوله { فلا تستعجلوه } رد على القائلين { عجل لنا قطنا }[7239] [ ص : 16 ] ونحوه من العذاب ، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء ، وقرأ الجمهور «فلا تستعجلوه » بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم : «فلا تستعجلوه » ، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين ، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق وجميع الباقين قرأ «يشركون » بالياء ، ورجح الطبري القراءة بالتاء من فوق في الحرفين ، قال أبو حاتم : قرأ «يشركون » بالياء ، من تحت في هذه والتي بعدها الأعرج وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن نصاح والحسن وأبو رجاء ، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق ، والثانية بالياء من تحت ، وقرأهما جميعاً بالتاء من فوق أبو العالية وطلحة والأعمش وأبو عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والجحدري ، وقد روى الأصمعي عن نافع التاء في الأولى . وقوله { سبحانه } معناه تنزيهاً له ، وحكى الطبري عن ابن جريج ، قال : لما نزلت { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } قال رجال من الكفار ، إن هذا يزعم أن أمر الله قد أتى فأمسكوا عما أنتم بسبيله حتى ننظر ، فلما لم يروا شيئاً عادوا فنزلت :{ اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون }[7240] [ الأنبياء : 1 ] فقالوا مثل ذلك : فنزلت { ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم }[7241] [ هود : 8 ] ، وقال أبو بكر بن حفص : لما نزلت { أتى أمر الله } رفعوا رؤوسهم ، فنزلت { فلا تستعجلوه } ، وحكى الطبري عن أبي صادق أنه قرأ : «يا عبادي أتى أمر الله فلا تستعجلوه » . و { سبحانه } نصب على المصدر أي تنزيهاً له .