التفسير المظهري لثناء الله الهندي

المظهري القرن الثالث عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 566

ٱلۡحَآقَّةُ١

سورة الحاقة

مكية وهي اثنان وخمسون آية

{ الحاقة 1 } أي القيامة لأنها حق وثابت وقوعها لا ريب فيه أو لأنها يحق فيها الأمور أي يعرف حقيقتها أو لأنها يحق الجزاء على الأعمال يقال : حق عليه الشيء إذا وجب قال الله تعالى : { حقت كلمة العذاب على الكافرين }[5140] والإسناد مجازي مبتدأ وخبره { ما الحاقة 2 } والرابط المظهر في مقام المضمر والاستفهام لتفخم شأنها والتهويل

مَا ٱلۡحَآقَّةُ٢
وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ٣

{ وما أدراك } مبتدأ وأدراك خبره والاستفهام للإنكار { ما الحاقة 2 } جملة الاستفهامية للتهويل مفعول لأدراك معنى الآية الحاقة ما هي أي شيء عظيم الهول إنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن يبلغها إدراك أحد .

كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ٤

{ كذبت ثمود } قوم صالح عليه السلام { وعاد } هود عليه السلام { بالقارعة } أي بالساعة التي تقرع الناس بالإقراع والإحرام بالانفطار والانتثار وهي القيامة التي مر ذكرها بلفظ الحاقة فههنا وضع المظهر موضع المضمر بلفظ مرادف لما سبق مع زيادة فيوصف شدتها بيانا لذلك الزيادة والجملة خبر للحاقة الأولى بعد خبر ، أو الجملتان السابقتان معترضتان للتهويل أو هذه الجملة مستأنفة مؤكدة بعنوان المبتدأ الأولى أي تحققها وثبوتها فإن مضمون هذه الجملة مع ما عطف عليها أن إنكارها وتكذيبها يوجب الهلاك والاستئصال .

فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ٥

{ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية 5 } أما تفصيل لما أجمل والجملة معطوفة على كذبت الفاء للسببية تقديره كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأهلكوا بسبب تكذيبها أما ثمود فأهلكوا بالطاغية أي بالصيحة التي جاوزت مقادير الصياح فأهلكتهم كذا قال قتادة وهو الصحيح ، وذلك أن جبريل عليه السلام صاح صيحة واحدة فهلكوا وقيل : أتتهم صيحة من السماء وفيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطفت قلوبهم في صدورهم وقيل الطاغية مصدر كالعافية بمعنى الطغيان أي أهلكوا لطغيانهم من التكذيب وقتل الناقة وغير ذلك ، وقيل : المراد بالطاغية قدار بن سالف عاقر ناقة صالح والتاء للمبالغة أو الجماعة التي اتفقت على عقر الناقة وبعثت قذارا لعقرها فإنها كانت سبب هلاكهم وذلك أن الله تعالى بعث صالحا إلى ثمود فدعاهم إلى الله تعالى فأبوا وطلبوا منه أن يخرج ناقة عشراء من هذه الصخرة وأشاروا إلى صخرة آية حتى يؤمنوا به فدعا صالح ربه فخرجت منها ناقة عظمة مسافة ما بين جنبيها مائة وعشرون ذراعا عشراء وولدت في الحال ولدا مثلها فلم يؤمنوا وقالوا هذا من سحره فجعل الله تعالى تلك الناقة نقمة لهم حيث كانوا قليل الماء فكانت الناقة تشرب ماءهم يوما وتترك الماء لهم يوما وكذا الكلاء فأجمع جماعة منهم على قتلها فبعثوا أشقى الناس وهو قدار بن سالف { فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين 77 }[5141] فقال صالح تمتعوا في داركم بعد قتلها ثلاثة أيام تصفر وجوهكم في اليوم الأول وتحمر في اليوم الثاني وتسود في الثالث ويصبحكم العذاب في الرابع فكان كذلك وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها لكن هذه التأويلات أي القول بأن المراد طاغة المصدر أو عاقر الناقة لا يصاعده العطف بأما في قوله تعالى : { وأما عاد فأهلكوا بريح } .

وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ٦

{ وأما عاد فأهلكوا بريح }

فإن فيه الباء للاستعانة فلا بد أن يكون فيما قبله أيضا كذلك حتى يكون الجملتان تفصيلا لمجمل { صرصر } شديد البرد أو شديد الصوت كذا في القاموس

{ عاتية سخرها } أي سلطها الله سبحانه بقدرته . استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك .

سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ٧

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 6

{ عليهم } أي على عاد { سبع ليال وثمانية أيام } من صبيحة الأربعاء إلى غروب الشمس من الأربعاء الآخر قال وهب في الأيام التي تسميها العرب الأيام العجوز ذات برد ورياح شديد سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء إلى آخره ، وقيل : سميت بذلك لأن عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعها الريح فقتلها في اليوم الثامن نزول العذاب وانقطع العذاب { حسوما } حال من مفعول سحر بمعنى متتابعات جمع حاسم من حسام الكي وهو أن يتتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ كذا قال مجاهد وقتادة أو نحسات كما في قوله تعالى : { في أيام نحسات }[5142] أي حسمت كل خير واستأصله من أصله كذا قال عطية أو قاطعات قطعن دابرهم كذا قال الزجاج والنضر بن شميل ويجوز أن يكون مصدرا منصوبا على العلية أو على المصدرية من فعل مقدر أي يحسمهم حسوما { فترى } أي المخاطب الغير المعين حكاية عن الحال الماضية { القوم } أي عادا { فيها } أي في تلك الليالي والأيام أو في بينهما { صرعى } جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لترى إن كان من رؤية القلب وإلا فهو حال من المفعول { كأنهم أعجاز } أصول { نخل خاوية } متآكلة الأجواف جملة كأنهم حال بعد حال مفرد ولذلك وأيضا لكونها مصدرة بكان .

فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ٨

ترك الواو { فهل ترى } استفهام تقرير أي حمل المخاطب على الإقرار { لهم } أي لعاد

{ من باقية وجاء فرعون ومن قبله } قرأ أبو عمر والكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب أي من معه من جنوده وأتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء أي من تقدمه من الأمم الكافرة .

page 567

وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ٩

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 8

{ والمؤتفكات } أي قرى قوم لوط قلبت عليهم من إفك بمعنى قلب والمراد بها أهلها أو المعنى الأمم الذين أيتفكوا يعني قوم لوط { بالخاطئة } بالخطأ والمعصية يعني الشرك أو بفعلة أو أفعال خاطئة ذات خطأ .

فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً١٠

{ فعصوا رسول ربهم } يعني عصى فرعون موسى عليه السلام وكل أمته كافرة نبيها عطف تفسيري على جاء { فأخذهم } معطوف على ما سبق والفاء للسببية { أخذة رابية } زائدة في الشدة على كل أخذة مفعول مطلق لبيان النوع .

إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ١١

{ إنا لما طغا الماء } أي جاوز حده حتى على كل شيء وارتفع فوقه في زمن نوح عليه السلام لما ظرف متعلق بما بعده { حملناكم } أي حملنا آبائكم وأنتم في أصلابكم { في الجارية } في سفينة نوح عليه السلام جارية في الماء .

لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ١٢

{ لنجعلها } السفينة أو الفعلة وهي إنجاء المؤمنين الذين في السفينة مع طغيان الماء وتجاوزه عن حده { لكم تذكرة } عبرة وعظة لدلالتها على قدرة الصانع وحكمته وكما قهره ورحمته { وتعيها } أي تحفظها وتعقلها وتتفكر فيها قرأ الجمهور بكسر العين وفتح الياء وروي عن ابن كثير باختلاس العين قال صاحب التيسير لا يصح ذلك { أذن } قرأ نافع أذن بالتخفيف والجمهور بالضمتين { واعية } الوعي صفة القلب والنفس وإنما أسند إلى الأذن مجاز للتسبب أو المراد أصحاب أذن واع حذف المضاف وأجرى على المضاف إليه ما كان يجري على المضاف ، والتنكير في واعية للدلالة على قلتها وإن من هذا شأنه فهو مع قلته سبب الإنجاء الجم الغفير وإدامة نسلهم ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها[5143] ) رواه الطبراني

عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها[5144] ) رواه الطبراني .

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ١٣

لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها عاد إلى شرحها فقال : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة 13 وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة 14 فيومئذ وقعت الواقعة 15 وانشقت السماء فهي يومئذ واهية 16 والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية 17 يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية 18 فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه 19 إني ظننت أني ملاق حسابيه 20 فهو في عيشة راضية 21 في جنة عالية 22 قطوفها دانية 23 كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية 24 } .

{ فإذا نفخ في الصور } عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصور قرن ينفخ فيه )[5145] رواه الترمذي وأبو داود والدارمي { نفخة واحدة } أحسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل والمراد بها نفخة الصعق . واختلفوا في عدد النفخات ؟ فقيل : ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، وكل أتوه داخرين 87 }[5146] { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون 68 }[5147] واختار هذا القول ابن العربي وكذا ورد صريحا في حديث طويل عن أبي هريرة بلفظة ( فينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ) رواه ابن جرير في تفسيره والطبراني في المطولات وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وغيرهم . وقيل : بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لأن الأمرين متلازمان أي فزعوا فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بأنه استثنى في نفخة الفزع كما استثنى في نفخة الصعق فدل على أنهما واحد في أكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما بينهما أربعون عاما والحديث الطويل في إسناده من تكلم فيه واختلف الناس في تصحيحه فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضي المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي في بعض سياقه نكارة وقد قيل إنه جمعه من طرق وأماكن متفرقة مسلمة سياقا واحدا والله تعالى أعلم . والمراد بالظرف أعني قوله تعالى : إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه الله تعالى في كتابه بالحاقة والقارعة والقيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة الأولى وانتهائه دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، أخرج ابن عساكر عن زياد ابن مخراق قال : سأل الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أو من الآخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الآخرة فعلى هذا جاز إضافة ذلك الزمان إلى النفخ في الصور النفخة الأولى وإلى كل ما وقع في ذلك اليوم من الصعق والنشور والحسنات والشقاق السماوات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة 13 } بيان لابتداء ذلك الوقت وقوله تعالى : { فهو في عيشة راضية 21 } إلى آخره وقوله تعالى : { خذوه فغلوه 30 } إلى آخره كلاهما بيان للانتهاء به .

وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ١٤

{ وحملت } أي رفعت { الأرض والجبال } من أماكنها { فدكتا } أي الأرض والجبال { دكة واحدة } الدك الدق والهدم كذا في القاموس وقال الجوهري أصله الكسر كذا ذكر البغوي ، وقال الجوهري أيضا الدك الأرض اللينة السهلة قوله تعالى : { دكت الجبال دكا أي جعلت بمنزلة الأرض اللينة ، والحاصل أن الأرض جعلتا مستوية دفعة واحدة لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وأخرج البيهقي عن أبي بن كعب في قوله تعالى : { وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة 14 } قال : يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين وذلك وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة وجزاء الشرط محذوف أي إذا نفخ في الصور وحملت الأرض انقضت الدنيا وحقت الحاقة { إنهم } ظرف لما بعده بدل من إذا نفخ .

فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ١٥

{ وقعت الواقعة } أي الساعة المنتظرة التي وجب وقوعها بالكتاب والسنة أو المعنى وقعت الأمور الواقعة الواجبة الوقوع من الحسنات والجزاء .

وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ١٦

{ وانشقت السماء } عطف على وقعت { فهي } أي السماء { يومئذ } ظرف لما بعده { واهية } ضعيفة مسترخية ليست على الشدة والقوة التي كانت عليها قال الفراء وهيها تشققها وفي القاموس الوهي الشق في الشيء يقال وهي إذا انشق واسترخى رباطها .

وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ١٧

{ والملك } أي الجنس المتعارف بالملك { على أرجائها } أي جوانب السماء وأطرافها التي بقيت بعد الانشقاق { ويحمل عرش ربك } إضافة العرش إلى الله تعالى لتعظيمه ولاختصاصه بتجلي مخصوصة { فوقهم } الضمير يعود إلى الثمانية لتقدمها في المرتبة أو إلى الملائكة الذين هم على أرجاء السماء { يومئذ ثمانية } أي ثمانية أفلاك .

روى أبو داود والترمذي عن العباس بن عبد المطلب زعم أنه كان جالسا في البطحاء في عصابة ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فيهم فمرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تسمون هذه ؟ قالوا : السحاب ، قال : والمزن ؟ قالوا : والمزن ، قال : والعنان ؟ قالوا : والعنان ، قال : هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض ؟ قالوا : لا ندري ، قال : إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنان أو ثلاث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعللاه وأسفله كما بين السماء

إلى السماء ثم فوق ذلك ثمانية أو عال بين أظلافهن ودركهن مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك )[5148] وروى البغوي هذا الحديث نحوه غير أنه ذكر ( ما بين السماء والأرض وكذا ما بين كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذا ما بين أعلى البحر وأسفله ) وإطلاق الأوعال ودركهن واختلاف المسافة باختلاف اعتبار السائرين والله تعالى أعلم ، قال البغوي جاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرون على صورة أوعال ما بين أظلافهم ودركهم كما بين سماء إلى سماء ، وجاء في الحديث أن الواحد منهم وجه رجل والآخر وجه أسد والآخر وجه ثور والآخر وجه نسر وروي عن ابن عباس أنه قال : يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية أي ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله تعالى .

يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ١٨

{ يومئذ تعرضون } أيها الناس كافة على الله تعالى للحساب وهذا بعد نفخة البعث والجملة مستأنفة كأنها في جواب ما يفعل بنا ذلك اليوم { لا تخفى } قرأ الجمهور بالتاء نظرا إلى تأنيث الفاعل وحمزة والكسائي بالياء للفصل { منكم خافية } أي فعله سريرة وجملة لا يخفى إما بدل اشتمال من تعرضون أو حال من فاعله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات أما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعند ذلك تتطاهر الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه بشماله )[5149] رواه الترمذي عن أبي هريرة وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري والبيهقي عن ابن مسعود ، قال الحكيم الترمذي الجدال للأعداء يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر إلى آدم وأنبيائه ويقيم حجة عندهم على الأعداء ثم يبعثهم إلى النار وأما العرضة الثالثة للمؤمنين وهو العرض إلا أن يخلو بهم فيعاتب مزيد عتابه في تلك الخلوة حتى يذوق الحياء والخجل ثم يغفر لهم ويرضى منهم .

فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ١٩

{ فأما من أوتي كتابه بيمينه } وذلك هو المؤمن والجملة معطوفة على تعرضون تفصيل للعرش أي العرضة الثالثة { فيقول } ذلك المؤمن تحجا بحجج خبر لمن { هاؤم } اسم لخذ يقال هاء يا رجل ويا رجلان ويا امرأة ويا امرأتان وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نساء { اقرءوا كتابيه } تنازع الفعلان هاؤم واقرأوا في مفعولية كتابيه فأعمل الثاني لقربه وحذف المفعول الأول ولو كان الأمر على العكس لقيل اقرأوه والهاء فيه وفي حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت في الوقف وتسقط في الوصل واستحب الوقف لثباتها في الأيام الخالية ولذلك قرئ بإثباتها في الوصل أيضا { إني ظننت } أي علمت وأيقنت ولما كان يقين بالحساب مستلزما للإتيان بأعمال صالحة كني به عنه كأنه قال إني عملت صالحا وإنما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولأجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذي الجلال علام الغيوب ، قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد الهجس في النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية { أني ملاق حسابيه } .

إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ٢٠

{ إني ظننت } أي علمت وأيقنت ولما كان يقين بالحساب مستلزما للإتيان بأعمال صالحة كني به عنه كأنه قال إني عملت صالحا وإنما لم يقل كذلك هضما لنفسه ولأجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذي الجلال علام الغيوب ، قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن إشعارا بأنه لا يقدح في الاعتقاد الهجس في النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية { أني ملاق حسابيه } مفعول لظننت قائم مقام المفعولين ، أخرج ابن المبارك عن أبي عثمان النهدي قال : إن المؤمن ليعطى كتابه في ستر من الله تعالى فيقرأ سيئاته فيتغير لونه ثم يقرأ حسناته فرجع عليه لونه ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات فعند ذلك يقول هاؤم اقرأوا كتابيه .