جهود الإمام الغزالي في التفسير

أبو حامد الغزالي القرن السادس الهجري

صفحة 1

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢

{ الحمد لله رب العالمين }[17]

10- { الحمد لله } ومعناه : أن الشكر لله ، إذ النعم من الله . ومن يرى من غير الله نعمة أو يقصد غير الله سبحانه بشكر- لا من حيث إنه مسخر من الله عز وجل- ففي تسميته وتحميده نقصان بقدر التفاته إلى غير الله تعالى . [ نفسه : 1/197 ] .

11- وهي مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته سبحانه وتعالى ، فما كان من أسماءه متضمنا الإثبات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو مندرج تحتها ، فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه ، وأثبتنا بالحمد لله كل كمال عرفناه ، وكل جلال أدركناه ، وراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم ، قد غاب عنا وجهلناه ، فنحققه من جهة الإجمال بقولنا الله أكبر . [ روضة الطالبين وعمدة السالكين ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالي رقم2 ص : 66-67 ] .

12- لو أدرجت الباقيات الصالحات[18] في كلمة على سبيل الإجمال وهي : { الحمد لله } لاندرجت فيها ، كما قال السيد الجليل والإمام الحفيل[19] علي بن أبي طالب رضي الله عنه : " لو شئت أن أوقر بعيرا من قول { الحمد لله } لفعلت " فإن { الحمد لله } : هو الثناء ، والثناء يكون بإثبات الكمال تارة وسلب النقص أخرى ، وتارة بالاعتراف بالعجز عن إدراك الإدراك ، وتارة بإثبات التفرد بالكمال ، والتفرد والكمال من أعلى مراتب المدح والكمال . [ نفسه : 67-68 ] .

وقد اشتملت هذه الكلمة على ما ذكرناه في الباقيات الصالحات لأن الألف واللام فيها لاستغراق جنس المدح ، والحمد ما علمناه وجهلناه ، ولا خروج للمدح عن شيء مما ذكرناه ، ولا يستحق الإلهية إلا من اتصف بجميع ما ذكرناه ، ولا يخرج عن هذا الاعتقاد ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا أحد من أهل الملك ، إلا من خذله الله واتبع هواه وكان أمره فرطا ، وعصا مولاه أولائك قوم قد غمرهم ذل الحجاب وطردوا عن الباب ، وأبعدوا عن ذلك الجناب ، وحق لمن حجب في الدنيا عن إجلاله ومعرفته أن يحجب في الآخرة عن إكرامه ورؤيته .

13- وقوله : { الحمد لله رب العالمين } يشتمل على شيئين :

أحدهما : أصل الحمد وهو الشكر ، وذلك أول الصراط المستقيم ، وكأنه شطره . فإن الإيمان العملي نصفان : نصف صبر ، ونصف شكر ، كما تعرف حقيقية ذلك إن أردت معرفة ذلك باليقين من كتاب " إحياء علوم الدين " ، لاسيما من كتاب " الشكر " و " الصبر " منه[20] . وفضل الشكر على الصبر ، كفضل الرحمة على الغضب ، فإن هذا يصدر عن الارتياح وهزة الشوق وروح المحبة ، وأما الصبر على قضاء الله فيصدر عن الخوف والرهبة ، ولا يخلو عن الكرب والضيق . وسلوك الصراط المستقيم إلى الله تعالى بطريق المحبة وأعمالها أفضل كثيرا من سلوك طريق الخوف ، وإنما يعلم سر ذلك من كتاب " المحبة والشوق " [21] من جملة كتاب " الإحياء " ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما يدعى إلى الجنة الحمادون لله على كل حال " [22] .

والثاني : قوله تعالى : { رب العالمين } إشارة إلى الأفعال كلها ، وإضافتها إليها بأوجز لفظ وأئمة إحاطة بأصناف الأفعال لفظ { رب العالمين } . وأفضل النسبة من الفعل إليه نسبة الربوبية ، فإن ذلك أتم وأكمل في التعظيم من قولك : " أعلى العالمين " " وخالق العالمين " .