هميان الزاد ليوم المعاد لاطفيش

اطفيش - الهميان القرن الرابع عشر الهجري

صفحة 72

ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣

{ الَّذِينَ } : نعت آخر للمؤمنين ، أو خبر لمحذوف ، أو منعوت لمحذوف على المدح .

{ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ } : لهم الركب الذين جاءوا من عبد قيس إلى المسلمين يرهبونهم من أبى سفيان وأصحابه .

{ إِنَّ النَّاسَ } : هم أبو سفيان وأصحابه .

{ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ } : وذلك بعد أحد بعام ، أى جمعوا لكم جنود للقتال ، أو بمعنى اجتمعوا لكم .

{ فَاخْشَوْهُمْ } : خافوهم أى اقعدوا عن قتالهم ، فإنكم لا تطيقونهم ، فإن الخوف ليس كسبياً ، فالمراد لازمه ، و هو القعود عن القتال ، أو تأملوا فيما يتولد منه الخوف منهم ، وهو كثرتهم وشدتهم .

{ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً } : أى زادهم قول الناس : إن الناس قد جمعوا لكم أو زادهم جمع الناس لهم ، أو زادهم المقول الذى هو : { إن الناس قد جمعوا لكم } وذلك دليل على زيادة الإيمان ونقصه ، " قال ابن عمر رضى الله عنه : قلنا يا رسول الله ، الإيمان يزيد وينقص ؟ قال : " نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخل صاحبه النار " سواء كان بمعنى التصديق فإنه يقوى بزيادة الحجة ، أو كان بمعنى الطاعة ، وكان عمر يأخذ بيد الرجل فيقول : قم بنا نزدد إيماناً . وعنه : لو وزن إيمان أبى بكر بإيمان هذه الأمة لرجح .

{ وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ } أى فحسبنا أى كافينا ، فحسب بمعنى اسم فاعل أحسبه ، إذا كفاه مهمه فإضافته إلى مفعوله كإضافة اسم الفاعل للحال أو الاستقبال إلى مفعوله لفظية لا تفيد تعريفاً ، ولذلك ينعت به المنكر مضافاً لمعرفة ، نحو : هذا رجل حسبك .

{ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } : أى الموكول إليه ، أو الكفيل بما وعد لنا من نصر أو رزق ، والمخصوص بالمدح محذوف ، أى : ونعم الوكيل هو ، أى الله وذلك " أن أبا سفيان نادى عند انصرافه من أحد : يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم إن شاء الله " . ولما كان القابل خرج أبو سفيان فى أهل مكة حتى نزل بمر الظهران فى موضع منه يسمى صحبة ، فأنزل الله الرعب فى قلبه ، وبدا له أن يرجع فمر به ركب من عبد قيس يريدون المدينة للميرة ، فشرط لهم حمل بعير من زبيب ، إن ثبطوا المسلمين ففعلوا ، وقيل : لقى نعيم بن مسعود الأشجعى ، وقد قدم معتمراً ، فقال : يا نعيم . . إنى واعدت محمداً أن نلتقى بموسم بدر إلا أن هذا العام جدب ، لا يصلح لنا إلا عام نرعى فيه الشجر ، ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لى أن أرجع ، ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جرأة ولئن يكون الخلف من قبلهم أحب إلى من أن يكون من قبلى ، فاذهب إلى المدينة فثبطهم ، وأعلمهم أنى فى جمع كثير لا طاقة لهم به ، ولك عندى عشرة من الإبل يضمنها لك سهيل بن عمرو ، فجاء نعيم إلى سهيل ، فقال : يا أبا زيد أتضمن لى القلائص فأثبط محمداً ؟ قال : نعم ، فجاء نعيم المدينة فوجد المسلمين يتجهزون . فقال : ما هذا بالرأى ، أتوكم فى دياركم ، وقتلوا كثيراً منكم . وقيل : قال لم يفلت منكم أحد إلا شريد ، فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، فأثر هذا الكلام فى قلوب قوم منهم ، ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، قال : " والذى نفس محمد بيده ، لأخرجن إليهم ولو وحدى " ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نحو سبعين رجلا ووصلوا بدراً ، وكانت سوقاً لبنى كنانة فى الجاهلية ، يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام ، ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هناك أحداً من المشركين ، وسألوا عن أبى سفيان وأصحابه من لقوا من المشركين ، فيقولون قد جمعوا لكم ، ترهيباً ، فقال المسلمون : حسبنا الله ونعم الوكيل . وأتو السوق وكان معهم نفقات وتجارات فباعوا واشتروا أدماً وزبيباً ، وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين ، ورجع أبو سفيان إلى مكة فعير أهل مكة جيشه ، وقالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق ، وهذه بدر الصغرى " ، فقيل : سميت الصغرى لخروج الجنود إليها بدون أن يقع القتال وهو الموضع المسمى بدراً الكبرى لوقوع القتال فيه ، وقيل : هما موضعان ، والذى يسبق إليه عقلى الأول وما ذكر من القصة ، وكون القائل أن الناس قد جمعوا لكم - نعيم - هو قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وابن اسحاق ، قيل وهو ضعيف والجمهور على ما ذكر من القصة إلا أن القائل عندهم ركب عبد القيس ، فهم الناس فى قوله تعالى { الذَيِنَ قَالَ لَهُمُ النَّاس } ونسبه بعض إلى ابن عباس وابن اسحاق ، ومن قال : القائل نعيم ، يقول هو القائل ، ويقول إنه أطلق عليه لفظ الناس لأنه من الناس ، عما تقول فلا يركب الخيل وما له إلا فرس واحد ، لأنه إن قولا رضى به غيره ، وقد قيل : انضم إليه ناس من أهل المدينة وأذاعوا كلامه ، فالناس هو لأنهم تبعوه ، أو هو وهم . وقد قيل : المراد بالناس فى قوله تعالى : { الذين قال الناس } : المنافقون لما رأوا النبى صلى الله عليه وسلم يتجهز لميعاد أبى سفيان ، أنه نهوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخروج معه ، وقالوا : إن القوم أتوكم فى دياركم فقتلوا الأكثر منكم ، وإن خرجتم لم يبق أحد منك وكانت بعد أحد غزوة تسمى غزوة حمراء الأسد ، وذلك أن أبا سفيان وأصحابه لما رجعوا من أحد ، فبلغوا الروحاء ندموا على انصرافهم وتلاوموا ، فقالوا : لا محمداً استأصلتم ولا الكواعب أردفتم . أى : لم تسبوا كواعبهم ، فتردفوهون معكم فى الدواب ، قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأراد أن يرهب العدو ويريهم من نفسه وأصحابه قوة ، وأنه لم يهنهم ما أصابهم ، فندب أصحابه للخروج فى طلب أبى سفيان وأصحابه ، فانتدب قوما منهم مع ما بهم من الجروح والقروح ، طلباً للأجر ، ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لا يخرجن معنا أحد إلا من حضرنا بالأمس فخرج معه القوم وهو سبعون رجلا منهم ابو بكر وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وعبد الله ابن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، حتى بلغوا حمراء الأسد ، وهى على ثمانية أميال من المدينة ، وألقى الله الرعب فى قلوب المشركين فذهبوا قبل أن يصل المسلمون حمراء الأسد ، وقيل : لما بلغوا فى ذى الحليفة جعل الأعراب والناس يقولون لهم : إن أبا سفيان مائل عليكم بالناس ، وليست هذه القصة من تفسير الآية ، ولما ندبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى غزوة حمراء الأسد ، قال جابر بن عبد الله : يا رسول الله إن أبى كان خلفنى على أخرات لى سبع ، وقال لى يا بنى إنه لا ينبغى لى ولك أن نترك هذه النسوة ولا رجل فيهن ، ولست أوثرك على نفسى بالجهاد مع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فتخلف على إخواتك ، فتخلفت عليهن ، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نعم يجوز أن يكون هؤلاء السبعون المنتدبون إلى حمراء الأسد هو المراد بقوله تعالى : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح } على أن يكون { الذين } مبتدأ وخبره { للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم } على أن الاستجابة مطاوعتهم رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى حمراء الأسد فحينئذ يصح أن تكون { من } للتبعيض فيكون كاشتراط على مطلق البعض ، أيا كان أن يكون متقياً ومحسناً ، فيكون { الذين قال لهم الناس } : هم المسلمون عند الله - على ما مر - أن لفظ الذين نعتاً آخر للفظ المؤمنين أو خبر لمحذوف أو مفعولا لمحذوف ، وهم المراد ، ويدل لذلك ما روى أن عائشة رضى الله عنها قالت لعروة : يا ابن أختى ، كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ، الزبير وأبو بكر ، إلا أنى لم أفسر الآية فى هذا بكل ما ذكرت عائشة أنه منهم ، والغيب يعلمه الله ولست أحجر على الغيب ، ولكن تعبدنا الولاية والبراءة ، قالت رضى الله عنها لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد فانصرف المشركون : خاف أن يرجعوا فقال : من يذهب فى أثرهم ؟ فانتدب منهم سبعين رجلا كان فيهم أبو بكر ، والزبير ، فمر برسول الله صلى الله عليه وسلم معبد الخزاعى بحمراء الأسد ، وكانت خزاعة مسلمهم وكافرهم عوناً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتهامة لا يخفون عنه شبابها ، ومعبد يومئذ مشرك ، فقال : يا محمد لقد عز علينا ما أصابك فى أصحابك ولوددنا أن الله شفاك فيهم .

ثم خرج معبد من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقى أبا سفيان ومن معه بالروحاء ، وقد أجمعوا على الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : قد أصبنا جل أصحابه ، ولنكرن على بقيتهم ، ولنفرغن منهم . وقال لمعبد : ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد قد خرج فى أصحابه يطلبكم فى جمع لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقاً ، وقد اجتمع معه من تخلف عنه فى يومكم ، وندموا على ما صنعوا ، وفيهم من الحنق عليكم شئ لم أر مثله قط . قال أبو سفيان : ويلك ما تقول ؟ قال : والله ما ترحل حتى ترى نواصى الخيل . قال : فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم فقال : والله إنى أنهاك عن ذلك فوالله لقد حملنى ما رأيت على أن قلت أبياتاً . قال : وما قلت ؟ قال : قلت . .

كادت تهد الأصوات راحلتى*** إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل

تودى بأسد كرام لا تنابلة *** عند اللقاء ولا ميل معازيل

فقلت : ويل ابن حرب من لقائكم*** إذا تغمطت البطحاء بالْخِيلِ

إنى نذير لأهل البسل قاطبة *** لكل ذى أربة منهم ومعقول

من جيش أحمد لا جيش يقابله *** وليس يوصف ما أنذرت بالقيل

فساء ذلك أبا سفيان ومن معه ، وحينئذ مر ركب من عبد القيس ، فقال : أين تريدون ؟ قالوا : نريد المدينة لأجل الميرة ؟ قال : فهل أنتم مبلغون عنا رسالة وأحمل لكم إبلكم زبيباً بعكاظ إذا وافيتموه وأخبرتموه أنا قد أجمعنا السير إليه نستأصل بقيتهم ، فانصرف أبو سفيان إلى مكة ، ومر الركب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو بحمراء الأسد فأخبره بالذى قال أبو سفيان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حَسْبنا الله ونعم الوكيل " ثم انصرف صلى الله عليه وسلم ، راجعاً إلى المدينة بعد ثلاث ليال قال ابن عباس رضى الله عنهما ، قال إبراهيم الخليل حين ألقى فى النار : " حسبنا الله ونعم الوكيل " . وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قيل لهم : { إنَّ الناسَ قّدْ جَمَعُوا لكم } وكان سبباً لهم فى النعمة والفضل كما دلت عليه فاء السببية فى قوله تعالى : { فَانْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ } .