فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن لزكريا الأنصاري

زكريا الأنصاري القرن العاشر الهجري

صفحة 282

سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ١

قوله تعالى : { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا . . . } ( [368] ) [ الإسراء : 1 ] .

قال " بعبده " دون نبيّه أو حبيبه ، لئلا تضلّ به أمّته ، كما ضلّت أمة المسيح ، حيث دعته إلها .

أو لأن وصفه بالعبودية ، المضافة إلى الله تعالى أشرف المقامات ، وقال " ليلا " مُنكَّرا ، ليدلّ على قصر زمن الإسراء ، مع أن بين مكة وبيت المقدس ، مسيرة أربعين ليلة ، لأن التنكير يدلّ على البعضيّة .

والحكمة في إسرائه صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ، دون مكة ، لأنه محشر الخلائق ، فيطؤه بقدمه ليسهل على أمته يوم القيامة ، وقوفهم ببركة أثر قدمه .

أو لأنه مجمع أرواح الأنبياء ، فأراد الله أن يشرّفهم بزيارته صلى الله عليه وسلم .

أو أُسري به منه ، ليشاهد من أحواله وصفاته ، ما يُخبر به كفار مكة( [369] ) ، صبيحة تلك الليلة ، فيكون إخباره بذلك مطابقا لما رأوا ، وشاهدا ودليلا على صدقه في الإسراء .

قوله تعالى : { الذي باركنا حوله . . . } [ الإسراء : 1 ] .

هو أعمّ من أن يقال : باركنا عليه ، أو فيه ، لإفادته شمول البركة ، لما أحاط بالمسجد من أرض الشام بالمنطوق ، وللمسجد بمفهوم الأولى .

وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا٢
ذُرِّيَّةَ مَنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٍۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَبۡدٗا شَكُورٗا٣
وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا٤
فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا٥
ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا٦
إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا٧

قوله تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها . . . } الآية [ الإسراء : 7 ] .

" فلها " اللام للاختصاص ، أو بمعنى " على " ، كما في قوله تعالى : { يخرّون للأذقان سجّدا } [ الإسراء : 107 ] .

صفحة 283

عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا٨
إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا٩

قوله تعالى : { ويبشّر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا } [ الإسراء : 9 ] .

قال ذلك هنا بلفظ " كبيراً " ، وقاله في الكهف بلفظ " حسنا " ، موافقة للفواصل قبلهما وبعدهما .

وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا١٠
وَيَدۡعُ ٱلۡإِنسَٰنُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُۥ بِٱلۡخَيۡرِۖ وَكَانَ ٱلۡإِنسَٰنُ عَجُولٗا١١
وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَايَتَيۡنِۖ فَمَحَوۡنَآ ءَايَةَ ٱلَّيۡلِ وَجَعَلۡنَآ ءَايَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةٗ لِّتَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَيۡءٖ فَصَّلۡنَٰهُ تَفۡصِيلٗا١٢

قوله تعالى : { وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل . . . } [ الإسراء : 12 ] .

إن قلتَ : لم ثنّى الآية هنا ، وأفردها في قوله : { وجعلناها وابنها آية } [ الأنبياء : 91 ] ؟

قلت : لتباين الليل والنهار من كل وجه ، ولتكررهما ، فناسبهما التثنية ، بخلاف " عيسى " مع أمّه ، فإنه جزء منها ، ولا تكرر فيهما ، فناسبهما الإفراد .

قوله تعالى : { وجعلنا آية النهار مبصرة . . . } [ الإسراء : 12 ] .

أي مضيئة لأن النهار لا يبصر( [370] ) .

وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا١٣
ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبٗا١٤

قوله تعالى : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } [ الإسراء : 14 ] .

لا ينافي قوله تعالى : { وكفى بنا حاسبين } [ الأنبياء : 47 ] لأن في يوم القيامة مواقف مختلفة ، ففي موقف يكل الله حسابهم إلى أنفسهم ، وعلمُه محيط بهم ، وفي موقف يحاسبهم هو تعالى .

وقيل : هو الذي يحاسبهم لا غير ، وقوله : { كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا } [ الإسراء : 14 ] أي يكفيك أنك شاهد على نفسك بذنوبها ، فهو توبيخ وتقريع ، لا تفويض حساب العبد إلى نفسه( [371] ) .

وقيل : من يريد مناقشته( [372] ) في الحساب ، يحاسبه بنفسه ، ومن يريد مسامحته يكل حسابه إليه .

مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۗ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا١٥
وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا١٦

قوله تعالى : { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها . . . } الآية [ الإسراء : 16 ] .

{ أمرنا مترفيها } أي أردنا منهم الفسق ، أو أمرناهم بالطاعة( [373] ) ، أو كثّرناهم ففسقوا ، يقال : أمرته ، وآمرته ، بالقصر والمدّ ، بمعنى كثّرته . وقيّد بالمترفين وإن كان الأمر لا يختصّ بهم ، لأن صلاحهم أو فسادهم ، مستلزم لصلاح غيرهم أو فساده .

وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِنۢ بَعۡدِ نُوحٖۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرَۢا بَصِيرٗا١٧

صفحة 284

مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعَاجِلَةَ عَجَّلۡنَا لَهُۥ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلۡنَا لَهُۥ جَهَنَّمَ يَصۡلَىٰهَا مَذۡمُومٗا مَّدۡحُورٗا١٨

قوله تعالى : { من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد . . . } الآية [ الإسراء : 18 ] .

إن قلتَ : قضيّته أن من لم يترك الدنيا يكون من أهل النار ، وليس كذلك ؟   !

قلتُ : المراد من لم يرد بإسلامه وعبادته إلا الدنيا ، وهذا لا يكون إلا كافرا ، أو منافقا .

وَمَنۡ أَرَادَ ٱلۡأٓخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعۡيَهَا وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ كَانَ سَعۡيُهُم مَّشۡكُورٗا١٩
كُلّٗا نُّمِدُّ هَـٰٓؤُلَآءِ وَهَـٰٓؤُلَآءِ مِنۡ عَطَآءِ رَبِّكَۚ وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ مَحۡظُورًا٢٠

قوله تعالى : { وما كان عطاء ربّك محظورا } [ الإسراء : 20 ] أي ممنوعا .

إن قلتَ : كيف قال ذلك ، مع أنا نشاهد الواحد ، لا يقدر على دانق ، وآخر معه الألوف ؟   !

قلتُ : المراد بالعطاء هنا الرزق ، والله سوّى في ضمانه بين المطيع والعاصي( [374] ) من العباد ، فلا تفاوت بينهم في أصل الرزق ، وإنما التفاوت بينهم في مقادير الأملاك ، وإنما لم يمنع الكفار الرزق ، كما منعهم الهداية ، لأن في منعه له هلاكهم ، وقيام الحجة لهم ، بأن يقولوا : لو أمهلتنا ورزقتنا ، لبقينا أحياء فآمنا .

ولأنه لو منعهم الرزق لكان قد عاجلهم بالعقوبة ، ولكان ذلك من صفات البخلاء ، والله منزّه عن ذلك ، لأنه حليم كريم .

ولأن إعطاء الرزق لجميع العباد عدل ، وعدل الله عامّ ، وهبة الهداية فضل ، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء .