التفسير المظهري لثناء الله الهندي

المظهري القرن الثالث عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 260

رَّبَّنَآ إِنِّيٓ أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ ٣٧

{ ربنا إني } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بإسكانها { أسكنت من ذريتي } تقديره أسكنت ولدا من ذريتي فحذف المفعول ، أو المعنى أسكنت بعض ذريتي وهم إسماعيل ومن ولد منه ، فإن إسكانه متضمن لإسكانهم { بواد } هو في الأصل موضع يسيل فيه الماء فسمى بالوادي مفرج بين جبال أو تلال أو آكام ، وكان الموضع الذي هناك مكة واديا بين الجبال { غير ذي زرع } لأنها حجرية لا تنبت { عند بيتك } الذي كان قبل الطوفان { المحرم } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : ( إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لن يحل القتال فيه لأحد ، ولا يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ، قال العباس يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال : إلا الإ ذخر )56 متفق عليه من حديث ابن عباس ، أخرج الواقدي وابن عساكر من طريق عامر بن سعيد عن أبيه بلفظ ( كانت سارة تحت إبراهيم عليه السلام فمكثت معه دهرا لا ترزق ولدا ، فلما رأت ذلك وهبت له هاجر أمة قبطية ، فولدت له إسماعيل فغارت من ذلك سارة ، ووجدت في نفسها وعقبت على هاجر فحلفت أن تقطع منها ثلاثة أشراف ، فقال لها إبراهيم هل لك أن تبري يمينك ؟ قالت : كيف أصنع ؟ قال : اثقبي أذنها واخفضيها ، والخفض هو الختان ، ففعلت ذلك فوضعت هاجر في أذنها قرطين ، فازدادت بهما حسنا ، فقالت : أراني إنما ازددتها جمالا ، فلم ترض على كونه معها ، ووجد بها إبراهيم وجدا شديدا فنقلها إلى مكة ، فكان يزورها في كل يوم من الشام على البراق من شغفه بها وقلة صبره عنها . وروى البخاري في الصحيح والبغوي بسنده حديث ابن عباس قال :( أو ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل عليه السلام اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ، ثم جاء بها إبراهيم وابنها إسماعيل عليه السلام وهي ترضعه ، حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جراب فيه تمر وسقاء فيه ماء ، ثم قفل إبراهيم فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيها إنس ولا شيء ، فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آالله أمرك بهذا ؟ قال : نعم قالت : إذا لا يضيعنا ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حيث لا يرونه فاستقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال رب { إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع } حتى بلغ يشكرون ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء ، حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلمظ ، فانطلقت كراهية أن تنظر إليه ، فوجدت الصفا أقرب جبل من الأرض يليها فقامت عليه ، ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا ، فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود ، حتى جاوزت الوادي ، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما ، فلما أشرفت على مروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت : قد استمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك ، عند موضع زمزم فبحت بعقبه أو بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو تفور بعد ما تغرف ، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم :( رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال : لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا ) قال : فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه إن الله لا يضيع أهله ، وكانت البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه و شماله ، فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم مقبلين من طريق كذا ، فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا على الماء ، فقالوا : إن هذا الطائر تدور على ماء ، ولقد عهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جربا أو جربين فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء ، فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء ، فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عتدك قالت نعم ولا حق لكم في الماء قالوا : نعم ، قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم ، حتى إذا كان بها أهل أبيات وشب الغلام وتعلم العربية منهم وكان أنفسهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل ، فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع بركته )57 وقد ذكرنا بقية تلك القصة في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :{ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }58 . قوله تعالى :

{ ربنا ليقيموا الصلاة } اللام لام كي متعلقة بأسكنت ، أي ما أسكنتم بهذا الوادي البلقع من كل مرتفق ومرتزق إلا لإقامة الصلاة عند بيتك المحرم ، وتكرير النداء وتوسيطه للإشعار بأنها المقصود بالذات من إسكانهم ثمه ، والمقصود من الدعاء توفيقهم لها ، وقيل لام الأمر والمراد هو الدعاء لهم بإقامة الصلاة كأنه طلب منهم الإقامة وسأل من الله أن يوفقهم لهل { فاجعل أفئدة } روى عن هشام أفئيدة بياء بعد الهمزة والجمهور بغير ياء جمع فواد وهو القلب { من الناس } أي أفئدة من أفئدة الناس ومن للتبعيض ، قال مجاهد لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم فارس والروم والترك والهند ، وقال سعيد بن جبير لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال { أفئدة من الناس } فهم المسلمون ، أو للابتداء كقولك القلب مني سقيم أي أفئدة ناس { تهوى } أي تسرع شوقا وودادا ، قال السدي معناه تميل { إليهم } تعديته بإلي لتضمين معنى النزوع { وارزقهم من الثمرات } مع سكناهم واديا غير ذي زرع مثل ما رزقت سكان القرى ذوات الماء { لعلهم يشكرون } تلك النعمة فأجاب الله دعوته فجعله : { حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء }59 حتى يوجد هناك الفواكه الربيعية والخريفية والصيفية والشتائية في يوم واحد