قوله تعالى : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا } قال مجاهد : هذا قول كفار مكة لمن آمن منهم وذلك أن الكافر يقول للمؤمن تصبر في الذل ، وعلى الإيذاء[في ب: الأذى بالقصر.] لأي شيء ولم لا تدفع عن نفسك الذل والعذاب بموافقتنا فيجيبه المؤمن بأن يقول خوفاً من عذاب الله على خطيئة مذهبكم فقالوا : لا خطيئة فيه وإن كان فيه خطيئة فعلينا[بالمعنى من البحر المحيط 7/143.] .
قوله : «وَلْنَحْمِلْ » أمر في معنى[انظر الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/161.] الجنس ، قال الزمخشري : وهو في معنى[انظر: الكشاف 3/199 بالمعنى.] من يريد اجتماع أمرين في الوجهين فيقول : ليكن منك العطاء ، ومني الدعاء .
فقوله : «ولنحمل » أي ليكن منا الحِمْل ، وليس هو في الحقيقة أمر طلب وإيجاب وقرأ الحَسَن[الحسن: الحسن البصري بن أبي الحسن أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، روى عن عمران بن حصين، وأبي موسى، وابن عباس وعنه ابن عوف، وأمم، كان رأساً في العلم مات سنة 110، انظر طبقات الداودي 1/150، 151.] وعيسى بكسر لام الأمر[الإتحاف 344، والبحر المحيط 7/143، ومختصر ابن خالويه 114، وانظر أيضاً الدر المصون 4/297.] ، وهو لغة الحجاز قال الزمخشري : «وَهذا قول صناديد[انظر: الكشاف 3/199.] قريش كانوا يقولون لمن آمن منهم لا نبعث نحن ، ولا أنتم ، فإن عسى كان ذلك فإنا نتحمل ( عنكم الإثم )[زيادة يقتضيها السياق من الكشاف المرجع السابق.] . قال أبو حيان : «هذا تركيب[انظر: البحر المحيط 7/143.] عجمي من جهة إدخال حرف الشرط وهي جامدة واستعمالها من غير اسم ، ولا خبر ، وإيلائها كان » . وقرأ العامة «خطاياكم »[البحر المحيط 7/143 والدر المصون 4/297.] ، وداود بن هند[لم أقف عليه.] : «من خطيئاتهم »[مختصر ابن خالويه 114، والبحر 7/144.] جمع سلامة ، وعنه أيضاً : «خطيئتهم » بالتوحيد[البحر 7/144.] والمراد الجنس ، وهذا شبيه بقراءتي : { وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ }[البقرة: 81.] و «خطيئاته » وعنه أيضاً : «خطَئهم »[انظر: المراجع السابقة.]- بفتح الطاء وكسر الياء ، يعني بكسر الهمزة القريبة من الياء لأجل تمهيدها بين بين ، و «من شيء » وهو مفعول بحاملين و «من خطاياهم » لما تقدم عليه انتصب حالاً .
فصل :
معنى الآية اتبعوا سبيلنا أي ديننا وملة آبائنا ، ونحن الكفلاء بكل تبعية من الله تصيبكم وهو قوله : «ولنحمل خطاياكم » ، نظير هذه الصيغة : { فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل }[طه: 39.] ثم[في ب: فأكذبهم.] أكذبهم الله تعالى فقال : { وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } فيما قالوا .
فإن قيل : قال : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } وقال بعده : { وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ } فنفى الحمل أولاً ، وأثبت[في ب: "ثبت" ثلاثيّاً.] الحمل ثانياً فكيف الجمع بينهما ؟ .
فالجواب : أن قول القائل في «حمل فلان وعن فلان » يريد : أن حمل فلان خف ، فإذا لم يخف حمله فلا يكون قد حمل عنه شيئاً ، فقوله : { وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء } يعني ( لا يرحمون )[زيادة من "ب".] ولا يرفعون عنهم خطيئة ، بل يحملون أوزار أنفسهم ، وأوزاراً بسبب إضلالهم ( لهم )[زيادة من أ.] ، كقوله ( عليه الصلاة )[زيادة من ب.] والسلام : «مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا منْ غَيْرِ أن يَنْقُصَ من وِزِرْهِ شَيْء »[هذا جزء من حديث طويل مروي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن جرير بن عبد الله، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه 8/61 "باب العلم".] ، والمعنى : وليحملن أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ، «أثقالاً مع أثقالهم » أو أوزاراً مثل أوزار من أضلوا مع أوزارهم ، كقوله : { وليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم }[[النحل: 25].] .
قوله : { وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } سؤال توبيخ وتقريع ، وذلك الافتراء يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : قولهم : «ولنحمل خطاياكم » كان لاعتقادهم أن لا خطيئة في الكفر ، ثم يوم القيامة يظهر لهم خلاف ذلك ، فيسألون عن ذلك الافتراء .
وثانيها : أن قولهم «ولنحمل خطاياكم » كان لاعتقادهم أن لا حشر ، فإذا جاء يوم القيامة ظهر خلاف ذلك ، فيسألون يقول لهم : أما قلتم : أن لا حشر .
وثالثها : أنهم لما قالوا : نحمل خطاياكم يوم القيامة ، يقال لهم : فاحملوا خطاياهم ، فلا يحملون ويسألون فيقال لهم : فَلِمَ افتريتم .