{ الرحمان الرحيم }
الإيضاح :
قد سبق أن قلنا : إن معنى الرحمان المفيض للنعم المحسن على عباده بلا حصر ولا نهاية ، وهذا اللفظ خاص بالله تعالى ولم يسمع عن العرب إطلاقه على غيره تعالى إلا في شعر لبعض من فتن بمسيلمة الكذاب :
سموت بالمجد يابن الأكرمين أبا *** وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
والرحيم هو الثابت له صفة الرحمة التي عنها يكون الإحسان .
وقد ذكر سبحانه هذين الوصفين ليبين لعباده أن ربوبيته ربوبية رحمة وإحسان ، ليقبلوا على عمل ما يرضيه وهم مطمئنو النفوس منشرحو الصدور ، لا ربوبية جبروت وقهر لهم .
والعقوبات التي شرعها الله لعباده في الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة لمن تعدى حدوده وانتهك كرماته –هي قهر في الظاهر ورحمة في الحقيقة ، لأنها تربية للناس وزجر لهم حتى لا ينحرفوا عن الجادة التي شرعها لهم إذ في إتباعها سعادتهم ونعيمهم ، وفي تجاوزها شقاؤهم وبلاؤهم ، ألا ترى إلى الوالد الرءوف كيف يربي أولاده بالترغيب في عمل ما ينفع والإحسان إليهم إذا لزموا الجادة ، فإذا هم حادوا عن الصراط السوي لجأ إلى الترهيب بالعقوبة حين لا يجد منها محيصا ، قال أبو تمام :
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما *** فليقس أحيانا على من يرحم