وإن ذلك الذكر لهذه الرحمة في وقت نادى ربه بها ، ولذا قال تعالى :
{ إذ نادى ربه نداء خفيا 3 } .
أي دعاه دعاء الضارع الخاضع المتوكل ، الذي لا يرجو إلا ربه ، وعبر بالنداء لأنه طلب منه ، التجأ فيه إليه ، وهو طلب لشخصه ولأسرته ، وقد كان هذا الطلب في ذاته دعاء وعبادة ، كما قال تعالى : { . . .ادعوني أستجب لكم . . . 60 }( غافر ) ، ودعاه في خفاء ، ولذا قال سبحانه : { إذ نادى ربه نداء خفيا 3 } ، و{ خفيا } صفة مبالغة من خفي ، أي أنه بالغ في إخفاء دعاءه فلا يعلمه قومه ، ولأنه مناجاة لله وضراعة إليه ، وهو لا يلتجأ إلا إليه وحده : { واذكر ربّك في نفسك تضرّعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال . . . 205 } ( الأعراف ) ، وقال تعالى : { ادعوا ربكم تضرّعا وخفية إنه لا يحب المعتدين 55 } ( الأعراف ) ، وفي هذا إشارة إلى أن الدعاء تضرع وفي الجهر به اعتداء ؛ لأنه يكون فيه دعوة لغير الله وشكوى للناس من ربه .