زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة

أبو زهرة القرن الرابع عشر الهجري

صفحة 306

قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا ١٨

فوجئت البتول مريم – وهي في مكان قصي شرقي قد انتبذت الناس ، واتخذت من دونهم حجابا – بصورة رجل من البشر يدخل عليها ولا تدري من أين جاءها ، وقد سدّت الأبواب ، وقام الحجاب ، وفي الفزع من المفاجأة ، قال الله عنها :

{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 } .

أي ألجأ إلى الله تعالى حذرة خائفة ، وذكرت الله تعالى بوصف الرحمن كأنها تستغيث من الناس برحمة الله تعالى ، وأنها في هذه الساعة تلجأ إلى رحمة الرحمن الرحيم ، ثم تتجه إلى الذي دنا منها مستنجدة بتقواه ، فتقول : { إن كنت تقيا } ، طاهرا متصونا مرجوا تخاف الله تعالى وتخشاه ، فهي تلجأ إلى الرحمن ، وتحثه على أن يخافه ويتقيه ، ويكون امرءا يخاف عذابه ويرجو ثوابه ، هنا يتقدم الملك الذي تمثل بشرا سويا يعلن حقيقته ومهمته ، وأنه ما جاء لينال منها شرا وأن ما سبق إلى وهمها ينفيه نفيا قاطعا ، ويزكيها ويقوي اصطفاء الله تعالى كما جاء في سورة آل عمران : { وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14 } .