البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي

أبو حيان القرن الثامن الهجري

صفحة 467

كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ ٥

ولما كان جدال الكفار ناشئاً عن تكذيب ما جاء به الرسول ، عليه السلام ، من آيات الله ، ذكر من كذب قبلهم من الأمم السالفة ، وما صار إليه حالهم من حلول نقمات الله بهم ، ليرتدع بهم كفار من بعث الرسول ، عليه السلام ، إليهم ؛ فبدأ بقوم نوح ، إذ كان عليه السلام أول رسول في الأرض ، وعطف على قومه الأحزاب ، وهم الذين تحزبوا على الرسل .

ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله ، ومنهم : عاد وثمود وفرعون وأتباعه ، وقدم الهم بالأخذ على الجدال بالباطل ، لأن الرسل لما عصمهم الله منهم أن يقتلوهم رجعوا إلى الجدال بالباطل .

وقرأ الجمهور : { برسولهم } ؛ وقرأ عبد الله : برسولها ، عاد الضمير إلى لفظ أمة .

{ ليأخذوه } : ليتمكنوا منه بحبس أو تعذيب أو قتل .

وقال ابن عباس : ليأخذوه : ليملكوه ، وأنشد قطرب :

فإما تأخذوني تقتلوني *** فكم من آخذ يهوى خلودي

ويقال للقتيل والأسير : أخيذ .

وقال قتادة : { ليأخذوه } : ليقتلوه ، عبر عن المسبب بالسبب .

{ وجادلوا بالباطل } : أي بما هو مضمحل ذاهب لا ثبات له .

وقيل : الباطل : الكفر .

وقيل : الشيطان .

وقيل : بقولهم : { ما أنتم إلا بشر مثلنا } { ليدحضوا } : ليزلقوا ، { به الحق } : أي الثابت الصدق .

{ فأخذتهم } : فأهلكتهم .

{ فكيف كان عقاب } إياهم ، استفهام تعجيب من استصالهم ، واستعظام لما حل بهم ، وليس استفهاماً عن كيفية عقابهم ، وكانوا يمرون على مساكنهم ويرون آثار نعمة الله فيهم ؛ واجتزأ بالكسر عن ياء الإضافة لأنها فاصلة ، والأصل عقابي .