{ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى } اسمه حبيب ، قاله ابن عباس وأبو مجلز وكعب الأحبار ومجاهد ومقاتل .
قيل : وهو ابن إسرائيل ، وكان قصاراً ، وقيل : إسكافاً ، وقيل : كان ينحت الأصنام ، ويمكن أن يكون جامعاً لهذه الصنائع .
و { من أقصى المدينة } : أي من أبعد مواضعها .
فقيل : كان في خارج المدينة يعاني زرعاً له .
وقيل : كان في غار يعبد ربه .
وقيل : كان مجذوماً ، فميزله أقصى باب من أبوابها ، عبد الأصنام سبعين سنة يدعوهم لكشف ضره .
فلما دعاه للرسل إلى عبادة الله قال : هل من آية ؟ قالوا : نعم ، ندعو ربنا القادر يفرج عنك ما بك ، فقال : إن هذا لعجيب ! لي سبعون سنة أدعو هذه الآلهة فلم تستطع ، يفرجه ربكم في غداة واحدة ؟ قالوا : نعم ، ربنا على ما يشاء قدير ، وهذه لا تنفع شيئاً ولا تضر ، فآمن .
ودعوا ربهم ، فكشف الله ما به ، كأن لم يكن به بأس .
فأقبل على التكسب ، فإذا مشى ، تصدق بكسبه ، نصف لعياله ، ونصف يطعمه .
فلما هم قومه بقتل الرسل جاءهم فقال : { يا قوم اتبعوا المرسلين } .
وحبيب هذا ممن آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبينهما ستمائة سنة ، كما آمن به تبع الأكبر ، وورقة بن نوفل وغيرهما ، ولم يؤمن بني غيره أحد إلا بعد ظهوره .
وقال ابن أبي ليلى : سباق الأمم ثلاثة ، لم يكفروا قط طرفة عين : على بن أبي طالب ، وصاحب يس ، ومؤمن آل فرعون .
وأورد الزمخشري قول ابن أبي ليلى حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقدم قبل من حاله أنه كان مجذوماً ، عبد الأصنام سبعين سنة ، فالله أعلم .
وهنا تقدم : { من أقصى المدينة } ، وفي القصص تأخر ، وهو من التفنن في البلاغة .
{ رجل يسعى } : يمشي على قدميه .
{ قال يا قوم اتبعوا المرسلين } .
الظاهر أنه لا يقول ذلك بعد تقدم إيمانه ، كما سبق في قصة .
وقيل : جاء عيسى وسمع قولهم وفهمه فيما فهمه .
روي أنه تعقب أمرهم وسبره بأن قال لهم : أتطلبون أجراً على دعوتكم هذه ؟ قالوا : لا ، فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم ،