تفسير الأعقم

الأعقم القرن العاشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 467

حمٓ١

{ حم } اسم السورة ، وقيل : اسم من أسماء الله عن ابن عباس ، وقيل : هو قسم أقسم بحكمه وملكه لا يعذب من عاذ ، يقول : لا إله إلا الله مخلصين من قلبه ، وقيل : هو افتتاح أسمائه حليم ، حميد ، محمود ، منان ، قال في الغرائب والعجائب : حم اسم الله الأعظم ، وقيل : محمد ، وقيل : معنى حم ما هو كائن

تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ٢

تنزيل الكتاب أي القرآن أنزله الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى الملك ويأتي به الملك إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) { من الله العزيز } القادر على ما يشاء ولا يمتنع عليه شيء { العليم } بجميع الأشياء

غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ٣

{ غافر الذنب } يعني غافر ذنب من قال لا إله إلا الله { وقابل } توبة من قال لا إله إلا الله { شديد العقاب } لمن لم يقل لا إله إلا الله ، وقيل : غافر ذنب المذنبين بالتوبة والطاعة ، وقيل : يقبل توبة التائبين { شديد العقاب } على المصرين { ذي الطول } ، قيل : ذي النعم ، وقيل : ذي الفضل على المؤمن ، وقيل : ذي السعة ، وقيل : ذي القدرة { لا إله إلا هو } أي هو الموصوف بهذه الصفات دون غيره { إليه المصير } أي المرجع للجزاء

مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي ٱلۡبِلَٰدِ٤

{ ما يجادل في آيات الله } في القرآن بالتكذيب والرد { إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد } وكانت قريش تتحرك للتجارة ، وقيل : تصرفهم في البلاد للتجارات وبقاؤهم آمنين سالمين مع كفرهم فإنه أمهلهم

كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَٱلۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِٱلۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ ٱلۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ٥

ثم قال سبحانه ذاكراً حال الأمم : { كذّبت قبلهم قوم نوح والأحزاب } الذين تحزبوا على رسول الله وهم عاد وثمود وفرعون { وهمَّت كل أمة } من هذه الأمم { برسولهم ليأخذوه } وقرئ برسولها ليأخذوه ليتمكنوا منه بما أرادوا من تعذيب أو قتل { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } ليدفعوا ويزيلوا { فأخذتهم } يعني أنهم قصدوا أخذه فجعلت جزاءهم على إرادة أخذه أن أخذتهم { فكيف كان عقاب } فإنكم تمرون على بلادهم ومساكنهم فتعاينون أثر ذلك .

وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ٦

{ وكذلك حقت } وجبت { كلمة ربك على الذين كفروا } قريش { أنهم أصحاب النار } يعني كما وجب إهلاكهم في الدنيا بالعذاب المستأصل كذلك وجب إهلاكهم بعذاب النار في الآخرة

ٱلَّذِينَ يَحۡمِلُونَ ٱلۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَٱغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ٧

{ الذين يحملون العرش ومن حوله } من الملائكة ، قيل : هم صنفان : صنف هم حملة العرش ، وصنف يطوفون ، قال جار الله : حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لا تفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق الله من الملائكة ، فإن خلقا من الملائكة يقال له اسرافيل زواية من زوايا العرش على كاهله قدماه في الأرض السفلى وقد مرق رأسه من السماء السابعة ، وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع " وفي الحديث : " أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلاً لهم على سائر الملائكة " وقيل : خلق الله العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام ، وقيل : حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون مهللين ومكبرين ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين بالتهليل والتكبير ، ومن ورائهم مائة ألف صف وقد وضعوا الايمان على الشمائل ما بينهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر { ويستغفرون للذين آمنوا } أي يستغفروا لهم بطلب المغفرة لهم من الله

page 468

رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ ٱلَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ٨

{ ربنا } أي يقولون ربنا { وسعت كل شيء رحمة وعلماً } أي وسعت رحمتك كل شيء وعلمك { فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك } أي دينك { وقهم عذاب الجحيم } أي النار { ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم } أي اجعل معهم الصالحين من آبائهم { وأزواجهم وذرّياتهم إنك أنت العزيز الحكيم }

وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ٩

{ وقهم السيئات } ، قيل : اصرف عنهم جزاء السيئات ، وقيل : قهم أنواع العقاب ، وقيل : قهم أنواع المعاصي بالألطاف { ومن تق السيئات } بلطفك { يومئذ } يعني يوم القيامة { فقد رحمته } وأنعمت عليه { وذلك هو الفوز العظيم }

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ ٱللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ١٠

{ إن الذين كفروا ينادون لمقت الله } ، قيل : مقتوا أنفسهم حين عاينوا العذاب فقيل لهم : { مقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم } ، وقيل : مقت الله إياكم وأنتم في الدنيا أكبر { إذ تدعون إلى الإِيمان فتكفرون } أكبر من مقتكم ، والمقت أشد البغض

قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا ٱثۡنَتَيۡنِ فَٱعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ١١

{ قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } أي موتتين وحياتين ، وأرادوا بالاماتتين خلقهم أمواتاً أوَّلاً وأماتهم عند انقضاء أجلهم ، وبالإِحياء بين الحياة الأولى وحياة البعث ، قال جار الله : وناهيك تفسيراً لذلك قوله تعالى : { وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } [ البقرة : 28 ] عن ابن عباس ، وذكر الحاكم : أن الموتة الأولى في الدنيا بعد الحياة والثانية في القبر قبل البعث ، والحياة الأولى في القبر والثانية في الحشر عن الحسن السدي ، وقيل : الحياة الأولى في الدنيا والثانية في القبر ، والآية تدل على صحة عذاب القبر واسم الموت على النطفة مجاز فحمل الكلام على حقيقته أولى

ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَٱلۡحُكۡمُ لِلَّهِ ٱلۡعَلِيِّ ٱلۡكَبِيرِ١٢

ثم بيَّن تعالى علة الخلود فقال سبحانه : { ذلكم بانه إذا دعي الله وحده كفرتم } وانكرتم أن يكون وحده إلهاً وقلتم : أجعل الآلهة إلهاً واحداً { وإن يشرك به تؤمنوا } أي تصدقوا { فالحكم لله } في إدامة العذاب ومنع الرجوع { العلي } القادر على ما يشاء { الكبير } العظيم الشأن .

هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ١٣

{ هو الذي يريكم آياته } من الريح والسحاب والرعد والبرق والصواعق ونحوها { وينزل لكم من السماء رزقاً } يعني المطر { وما يتذكر إلا من ينيب } وما يتيقظ ويتذكر بآيات الله إلا من ينيب من يتوب من الشرك ويرجع إلى الله من المعاصي بالتوبة

فَٱدۡعُواْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ١٤

{ فادعوا الله مخلصين له الدين } أي الطاعة والعبادة { ولو كره الكافرون }

رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ١٥

{ رفيع الدرجات } ، كقوله : { ذي المعارج } [ المعارج : 3 ] وهي مصاعد الملائكة إلى أن تبلغ العرش ، وعن ابن جبير سماء فوق سماء والعرش من فوقهن ، وقيل : هي درجات ثوابه التي ينزلها أولياءه في الجنة { ذو العرش } أي خالقه ومالكه ، وقيل : العرش الملك أي ذو الملك { يلقي الروح } أي ينزل الوحي ، وقيل : يرسل جبريل ، وقيل : ينزل القرآن ، وقيل : هو كل كتاب أنزله الله { بأمره على من يشاء من عباده } ممن يعلم أنه يصلح أن ينذر أي يخوف { يوم التلاق } أي يوم القيامة ، وسمي بذلك لأنه يلتقي فيه الأولون والآخرون ، وقيل : يلتقي أهل السماء وأهل الأرض ويلقى المرء مع عمله ، وقيل : يلتقي الظالم والمظلوم ، وقيل : العابد والمعبود ، وقيل : يلتقي كل واحد مع قرينه

يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ١٦

{ يوم هم بارزون } من القبور فلا يستترون بشيء { لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم } يعني يوم القيامة { لله الواحد القهار } حكاية لمن سأل عنه في ذلك اليوم ، ومعناه أنه ينادي منادي فيقول : { لمن الملك } ؟ فيجيبه أهل الحشر : لله الواحد القهار ، وقيل : يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يعص الله فيها قط فأول ما يتكلم به ينادي منادي { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار }

page 469

ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ ٱلۡيَوۡمَۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ١٧

{ اليوم تجزى كل نفسٍ } الآية وهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب ، لما قرر أن الملك لله وحده في ذلك اليوم عدّد نتائج ذلك اليوم ، وهو أن كل نفس تجزى { بما كسبت } والظلم مأمون لأن الله ليس بظلاّم للعبيد { إن الله سريع الحساب } إن الحساب لا يبطئ لأن الله لا يشغله حساب عن حساب ، فيحاسب الخلق كله في وقت واحد وهو أسرع الحاسبين ، وعن ابن عباس : إذا أخذ في حسابهم لم يقل لأهل الجنة إلا فيها ولم يقل لأهل النار إلا فيها

وَأَنذِرۡهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡأٓزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَٰظِمِينَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنۡ حَمِيمٖ وَلَا شَفِيعٖ يُطَاعُ١٨

{ وأنذرهم يوم الأزفة } ، قيل : هو يوم القيامة لأن كل آت قريب وهو الذي يعرب القلوب ويبلغ الأرواح إلى الصدور والحناجر ، يعني من الخوف زالت عن صدورهم فتعلقت بحلوقهم فلا هي تعود إلى مكنتها ولا تخرج فيموتون { كاظمين } لها أي للقلوب والنفوس { ما للظالمين } يومئذ { من حميم } قريب وصديق { ولا شفيع يطاع } أي يخاف فيطاع محار

يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ١٩

{ يعلم خائنة الأعين } ، قيل : فيه تقديم وتأخير أي يعلم الأعين الخائنة ، وقيل : هو مسارقة النظر إلى المرأة عن ابن عباس ، وقيل : نظر العين إلى ما نهى الله عنه { وما تخفي الصدور } أي يعلم سرائر الصدور .

وَٱللَّهُ يَقۡضِي بِٱلۡحَقِّۖ وَٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقۡضُونَ بِشَيۡءٍۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ٢٠

{ والله يقضي بالحق } أي يحكم بين عباده بالحق { والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء } يعني الأصنام لأنها جماد { إن الله هو السميع البصير }