الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي

الثعالبي القرن التاسع الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 223

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ ١٥

وقوله سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا } [ هود : 15 ] .

قال قتادةُ وغيره : هي في الكَفَرة ، وقال مجاهد : هي في الكفرة وأهْلِ الرياءِ من المؤمنين . وإليه ذهب معاويَةُ ، والتأويل الأول أَرْجَحُ ؛ بحسب تقدُّمِ ذكْرِ الكفَّار .

وقال ابنُ العربيِّ في «أحكامِه » : بل الآية عامَّة في كلِّ من ينوي غيْرَ اللَّهِ بِعَمَلِه ، كان معه إيمان أو لم يكُنْ ، وفي هذه الآية بيانٌ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الأَعمْالُ بِالنِّيَّاتِ وإِنَّما لِكُلِّ امرىء مَا نَوَى ) ، وذلك أنَّ العبد لا يُعْطَى إِلا عَلَى وَجْهٍ قَصدَهُ ، وبحُكْم ما ينعقدُ في ضَمِيرِهِ ، وهذا أمرٌ مُتَّفَقٌ عليه .

وقوله : { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } : قيل : ذلك في صحَّة أبدانهم وإِدرَارِ أرزَاقهم ، وقيل : إِن هذه الآية مطْلَقةٌ ، وكذلك التي في «حم عسق » : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } [ الشورى : 20 ] الآية إِلى آخرها ، قيَّدتْهما وفسَّرتْهما الآيةُ التي في «سورة سُبْحانَ » ، وهي قوله تعالى : { مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ . . . } الآية [ الإِسراء : 18 ] ، فأخبر سبحانه أَنَّ العبدِ ينوي ويريدُ ، واللَّه يحكُمُ ما يريدُ ، ثم ذكر ابنُ العربيِّ الحديثَ الصحيحَ في النَّفَرِ الثلاثة الذين كَانَتْ أعمالهم رياءً ، وهم رَجُلٌ جمع القرآن ، ورجلٌ قُتِلَ في سبيل اللَّه ، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ ، وقولَ اللَّهِ لكلِّ واحدٍ منهم : «مَاذَا عَمِلْتَ ؟ » ثم قال في آخر الحديث : ثُمَّ ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُكْبَتَيَّ ، وَقَالَ : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، ( أُولَئِكَ الثَّلاَثَةُ أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ تُسَعَّرُ بِهِمُ النَّارُ )