ثم قال : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا قائما } من خفف ( من ) جعله نداء أو رفعه بالابتداء ، ويكون الخبر محذوفا . والتقدير : أهذا أفضل ( أومن ) جعل لله أندادا .
ومن شدد ف( من ) في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف على ما قدمنا في التخفيف .
وقيل التقدير : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت لأنه ذكر من جعل لله أندادا ليضل عن سبيله .
ثم قال : { أمن هو قانت } أي : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت ؟ ودل على ذلك قوله : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } .
وقيل : ( أم ) بمعنى / الألف ، كأنه قال : أمن هو قانت ، ويكون الجواب مضمرا بعده كأنه قال : أم من هو قانت كمن مضت صفته من الكفار . قال ابن عباس : القنوت هنا : قراءة القرآن .
وآناء الليل : ساعاته ، واحدة ، أني كمعي وفيه وجوه قد تقدم ذكرها .
وقيل القنوت : الطاعة ، وهو أصله .
وروى الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل قنوت في القرآن فهو طاعة لله عز وجل " .
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " . فتأوله جماعة من أهل العلم أنه طول القيام .
وسئل ابن عمر عن القنوت ، فقال : ( ما أعرف القنوت إلا طول القيام ، وقراءة القرآن ) .
وقال مجاهد : من القنوت : طول الركوع ، وغض الطرف .
ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
وعن ابن عمر : إنها نزلت في عثمان رضي الله عنه .
وكانوا يستحبون حسن الملبس في الصلاة .
روى نافع أن ابن عمر قال له : قم فصل . قال نافع : فقمت أصلي – وكان عليَّ ثوب خلق – فدعاني ابن عمر فقال لي : أرأيتك لو وجهتك في حاجة وراء الجدار ، أكنت تمضي هكذا ؟ ! قال : فقلت : كنت أتزين ! قال : فالله جل وعز أجل أن يتزين له ! ! .
قوله : { ساجدا وقائما } ، أي : يقنت ساجدا أحيانا وقائما أحيانا { يحذر الآخرة } . أي عذاب الآخرة .
{ ويرجوا رحمة ربه } أي : يرجو أن يرحمه ربه فيدخله الجنة .
ثم قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } أي : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة الله عز وجل من الثواب وما عليهم في معصيته من العقاب ، والذين لا يعلمون ذلك .
يعني : من يؤمن بالبعث والحساب والجزاء والذين لا يؤمنون بذلك . فالمعنى : لا يستوي المطيع والعاصي .
وقيل : الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ، والذين هو من لا ينتفع بعلمه ، ومن لا علم عنده .
ثم قال : { إنما يتذكر أولوا الألباب } أي : إنما يعتبر حجج الله عز وجل فيتعظ بها ويتدبرها أصحاب العقول والبصائر .
ويقف القارئ على ( رحمة ربه ) إن شدد الميم ، لأن الخبر المحذوف مقدر قبل ( قل هل ) .
ومن خفف وجعل ( من ) مرفوعة بالابتداء وقف أيضا على ( ربه ) ويقدر الخبر أيضا محذوفا قبل ( قل هل ) .
ومن جعله نداء لم يقف على ( ربه ) ، لأن ( قل هل ) متصل بالمنادي .
والمعنى : يا من هو قانت قل هل ، فإن قدرت محذوفا تتم به فائدة النداء ، وقفت على ( ربه ) .
والتقدير : ( يا من هو قانت أبشر ، ثم تبتدئ قل هل ) .