الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب

مكي ابن أبي طالب القرن الخامس الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 458

تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَكِيمِ١

سورة الزمر مكية إلا ثلاث آيات نزلن بالمدينة في وحشي[1] قاتل[2] حمزة إذ دخل المدينة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيق أن ينظر إليه فتوهم أن الله ، عز وجل لم[3] يقبل إيمانه ، فأنزل الله تعالى فيه : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } إلى آخر الثلاث الآيات[4] .

قوله تعالى { تنزيل الكتاب من الله } – إلى قوله – { بذات الصدور }[ 1-8 ] .

( تنزيل ) رفع بالابتداء ، والخبر ( من الله )[58622] .

ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف ، أي هذا تنزيل الكتاب[58623] .

وأجاز الكسائي والفراء نصبه على أنه مفعول به ، أي : اقرؤوا تنزيل واتبعوا كتاب الله تنزيل . وعلى الإغراء مثل : { كتاب الله عليكم }[58624] ، أي الزموا كتاب الله[58625] .

والمعنى : الكتاب الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو : من الله العزيز في انتقامه ، الحكيم في تدبيره .

إِنَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ فَٱعۡبُدِ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ٢

ثم قال تعالى : { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } ، أي : أنزلنا إليك القرآن بالعدل .

روى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : فصل القرآن من الذكر ، يعني اللوح المحفوظ . قال : فوضع في بيت العزة في سما الدنيا[58626] ، فجعل جبريل ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم تنزيلا .

قال سفيان[58627] : خمس آيات ونحوها ، ولذلك قال تعالى : { فلا أقسم بمواقع النجوم }[58628] ( يعني نجوم )[58629] القرآن .

قال أبو قلابة[58630] : نزل القرآن لأربع وعشرين ليلة من شهر رمضان ، والتوراة/ لست ، والإنجيل لاثنتي عشرة[58631] .

ثم قال : { فاعبد الله مخلصا له الدين } أي : فاخشع لله بالطاعة وأخلص له العبادة ولا ترائي بها غير الله .

أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَحۡكُمُ بَيۡنَهُمۡ فِي مَا هُمۡ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي مَنۡ هُوَ كَٰذِبٞ كَفَّارٞ٣

روي أنه يؤتى بالرجل يوم القيامة للحساب[58632] وفي صحيفته أمثال الجبال من الحسنات ، فيقول رب العزة تبارك وتعالى : أصَلَيْتَ[58633] يوم كذا وكذا ليقال : صلى فلان ! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص .

أتصدقت يوم كذا وكذا ليُقال تصدق فلان ! أنا الله لا إله إلا أنا لي الدين الخالص . فما يزال يمحو شيئا بعد شيء حتى تبقى صحيفته ما فيها شيء فيقول ملكاه : يا فلان ، ألغير الله كنت تعمل ؟ [58634] .

قال السدي : الدين هنا التوحيد[58635] .

وروى أبو هريرة أن رجلا قال : يا رسول الله ، إني أتصدق بالشيء ، وأصنع الشيء أريد به وجه الله وثناء الناس ! فقال النبي[58636] : " والذي نفسي بيده ، لا يقبل الله تعالى شيئا شورك فيه ، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم[58637] : { ألا لله الدين الخالص }[58638] " .

قال قتادة : ألا لله الدين الخالص : شهادة أن لا إله إلا الله[58639] .

ثم قال : { والذين أخذوا من دونه أولياء } أي : من دون الله آلهة يتولونهم ويعبدوهم من دون الله يقولون : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } أي : قُرْبَة[58640] شفاعتهم لنا .

وفي قراءة أبِّي : ( ما نعبدكم[58641] ) . وفي قراءة ابن مسعود : ( قالوا ما نعبدهم )[58642] .

قال مجاهد : قريش تقوله للأوثان[58643] . قاله قتادة : قالت قريش : ما نعبدهم إلا ليشفعوا لنا عند الله ، وهو قول ابن زيد[58644] .

ثم قال : { إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون } ، أي : يفصل بينهم فيما اختلفوا فيه من عبادة الأوثان .

ثم قال : { إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار } أي : لا يهدي إلى الحق من هو مفتر على الله الكذب كافر لنعمته .

لَّوۡ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدٗا لَّٱصۡطَفَىٰ مِمَّا يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ٤

ثم قال : { لو أراد الله أن يتخذ ولدا } أي لو أراد الله اتخاذ ولد – ولا ينبغي له ذلك – لاختار من خلقه ما يشاء .

{ سبحانه } أي : تنزيها له أن يكون له ولد .

{ هو الله الواحد }[58645] أي : المنفرد بالألوهية ، لا شريك له في ملكه . { القهار } لخلقه بقدرته .

خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بِٱلۡحَقِّۖ يُكَوِّرُ ٱلَّيۡلَ عَلَى ٱلنَّهَارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّهَارَ عَلَى ٱلَّيۡلِۖ وَسَخَّرَ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِي لِأَجَلٖ مُّسَمًّىۗ أَلَا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡغَفَّـٰرُ٥

ثم قال تعالى : { خلق السموات والأرض بالحق } ، أي ابتدع ذلك بالعدل .

{ يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل } قال ابن عباس : يحمل هذا على هذا ( وهذا على هذا )[58646] .

وقال قتادة : يغشي هذا على هذا[58647] .

وقال السدي : يذهب هذا بهذا[58648] وهذا بهذا ، وهو قول ابن زيد .

وقال أبو عبيد : هو مثل : { يولج الليل في النهار }[58649] .

وأصل التكوير في اللغة : اللف والجمع .

ثم قال تعالى ذكره : { وسخر الشمس والقمر } ، أي : سخر ذلك لعباده ليعلموا عدد السنين والحساب ، ويتصرفوا[58650] في النهار لمعايشهم ومصالح أمورهم ، ويسكنون[58651] في الليل .

ثم قال : { كل يجري لأجل مسمى } إلى قيام الساعة فتكور الشمس وتنكدر[58652] النجوم .

وقيل : المعنى ، إن لكل واحد منازل لا يعدوها في جريه ولا يقصر دونها[58653] .

ثم قال تعالى : { ألا هو العزيز الغفار } : أي : ألا إن الله الذي فعل هذه الأفعال وأنعم على خلقه بهذه النعم هو العزيز في انتقامه ممن عاداه[58654] ، الغفار لذنوب التائبين من عباده .

page 459

خَلَقَكُم مِّن نَّفۡسٖ وَٰحِدَةٖ ثُمَّ جَعَلَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلۡأَنۡعَٰمِ ثَمَٰنِيَةَ أَزۡوَٰجٖۚ يَخۡلُقُكُمۡ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡ خَلۡقٗا مِّنۢ بَعۡدِ خَلۡقٖ فِي ظُلُمَٰتٖ ثَلَٰثٖۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡ لَهُ ٱلۡمُلۡكُۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ٦

ثم قال تعالى : { خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها } ، أي : من آدم عليه السلام وخلق حواء من ضلعه .

وإنما ذكر الخلق قبل حواء وهي قبلهم في الخلق ، لأن العرب ربما أخبرت عن رجل بفعلين . فترد الأول منهما على المعنى ( بثم ) إذا كان من[58655] خبر المتكلم يقال : قد بلغني ما كان منك اليوم ثم بما[58656] كان منك أمس أعجب[58657] .

وقيل معناه : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله جل ذكره لما خلق آدم[58658] مسح ظهره وأخرج كل نسمة[58659] هي كائنة إلى يوم القيامة ثم أسكنه[58660] بعد ذلك الجنة ، ( فخلق بعد ذلك )[58661] حواء من ضلع من[58662] أضلاعه[58663] .

وقيل المعنى : خلقكم من نفس وحدها[58664] ثم جعل منها زوجها[58665] . ثم قال تعالى : { وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج } وهي المفسرة في سورة الأنعام : الإبل والضأن والمعز والبقر كل زوجين ذكر وأنثى[58666] .

وإنما أخبر عنها بالنزول ، لأنها إنما نشأت وتكونت بالنبات ، والنبات إنما نشأ وتكوّن بالمطر ، فالمطر هو المُنْزَلُ ، فأخبر عما اندرج وتكوّن منه بالإنزال . وهذا من التدريج وله نظائر كثيرة ، ومنه قوله : { يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا }[58667] فاللباس لم ينزل لكنه تكوّن عما نبت بالمطر[58668] الذي هو مُنْزَلٌ ، فسمي ما تكوّن[58669] عن المطر : منزل[58670] .

ثم قال { يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق } ، / أي : يبتدئ خلقكم في بطون أمهاتكم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ، ثم يكسو العظام لحما ثم ينشئه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ، هذا قول جماعة المفسرين[58671] إلا ابن زيد فإنه[58672] قال : معناه ، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد الخلق[58673] الأول في الأصلاب[58674] .

وقوله : { في ظلمات ثلاث } يعني به ظُلْمَةُ البطن[58675] وظلمة الرَّحم وظلمة المشيمة[58676] ، هذا قول جميع المفسرين إلا أبا عبيدة فإنه قال : هي[58677] ظلمة الصلب ثم ظلمة الرحم ثم ظلمة البطن[58678] .

ثم قال : { ذلكم الله ربكم } ذا : إِشارة إلى اسم الله جل ذكره ، والكاف والميم للمخاطبة .

والمعنى : الذي فعل هذه[58679] الأشياء ربكم لا الأوثان التي تعبدونها لا تضر[58680] ولا تنفع .

{ له الملك لا إله إلا هو } أي : لا ينبغي أن يكون معبودا سواه ، له ملك كل شيء .

{ فأنى تصرفون } ، أي : كيف تُصْرَف عقولكم عن هذا ومن أين تعدلون عن الحق بعد هذا البيان .

إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ٧

ثم قال تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم } .

قال ابن عباس : هو خاص ( عنى به الكفار الذين )[58681] لم يرد الله أن يطهر قلوبهم[58682] .

وقوله : { ولا يرضى لعباده الكفر } أي : لعباده الذين أخلصهم لطاعته وحبب إليهم الإيمان .

وقيل : هو عام للجميع ، وهو الاختيار[58683] ، إذ ليس يرضى الله الكفر لأحد من خلقه .

فإن جعلت ( يرضى ) بمعنى : يريد حسن القول[58684] الأول ، وفيه نظر .

ثم قال تعالى : { وإن تشكروا يرضه لكم } أي : إن تطيعوه يرضه لكم .

ثم قال : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } أي لا يحمل أحد ذنبا عن أحب ، ولا يؤخذ أحد بذنب أحد .

ثم قال تعالى { ثم إلى ربكم مرجعكم } أي : مصيركم إليه في الآخرة فيخبركم بما كنتم تعملون في الدنيا من خير وشر فيجازيكم عليه ، ولا يخفى عليه من أمركم شيء .

{ إنه عليم بذات الصدور } أي : عليم بما أضمرتم في الصدور وغير ذلك مما ظهر وبطن[58685] ، فلا يخفي عليه شيء من أعمالكم بل يجازيكم بها : المحسن بالإحسان ، والمسيء بما يستحقه ويجب عليه .

۞وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ضُرّٞ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيۡهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعۡمَةٗ مِّنۡهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدۡعُوٓاْ إِلَيۡهِ مِن قَبۡلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادٗا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦۚ قُلۡ تَمَتَّعۡ بِكُفۡرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِ٨

قوله تعالى : { وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه } – إلى قوله – { عذاب يوم عظيم }[ 9-13 ] .

أي : إذا مس الإنسان ضر في بدنه أو شدة أو ضيق استغاث بربه الذي خلقه في كَشْفِ ما نَزَلَ به[58686] ، تائبا[58687] إليه مما كان عليه قبل ذلك من الكفر والشرك[58688] . قال قتادة : منيبا إليه : مخلصا[58689] .

وقوله { ثم إذا خوله نعمة منه } أي : أعطاه عافية وفرجا مما نزل به .

يقال لمن أعطي غيره عطية : قد خوّله كذا وكذا .

وقوله : { ونسي ما كان يدعوا إليه من قبل } أي : ترك دعاءه الذي كان يدعو إلى الله من قبل أن يكشف ما كان به ، و( ما ) والفعل مصدر[58690] ، والمعنى : ترك كون الدعاء منه إلى الله عز وجل . ومن جعلها[58691] بمعنى ( الذي ) جعل ( ما ) لمن يعقل فيكون لله سبحانه[58692] .

والمعنى : ترك ما[58693] كان يدعو الله[58694] من قَبْل ِ كَشْفِ الضُّر عنه .

ثم قال تعالى : { وجعل لله أنداد } أي : شركاء . قال السدي : هذا كله في الكافر خاصة .

قال السدي : الأنداد هنا من الرجال يطيعونهم في معاصي الله جل ذكره . وقيل : لأنداد : الأوثان[58695] .

ثم قال : { ليضل عن سبيله } من ضم الياء ، فمعناه : فعل ذلك ليزيل الناس عن توحيد الله سبحانه والإقرار به[58696] والدخول في دينه[58697] ، ومن فتح الياء[58698] ، فمعناه : ليَضِلَّ في نفسه عن دين الله سبحانه .

والتقدير : إنه لما كان أمره لعبادة الأوثان يؤول إلى الضلال[58699] كان[58700] كأنه إنما فعل ذلك ليصير ضالا[58701] . وقد تقدم شرح هذا بأبين من[58702] هذا .

ثم قال تعالى : { قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار } أي : قل يا محمد لهذا الكافر ( لنعم الله )[58703] تمتع بكفرك إلى أن تستوفيَ أجلك إنك في الآخرة من الماكثين في النار .

وهذا لفظ معناه التهدد والوعيد ، مثل قوله : { فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر[58704] } .

أَمَّنۡ هُوَ قَٰنِتٌ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ سَاجِدٗا وَقَآئِمٗا يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ٩

ثم قال : { أمن هو قانت آناء الليل ساجدا قائما } من خفف ( من )[58705] جعله نداء أو رفعه بالابتداء ، ويكون الخبر محذوفا[58706] . والتقدير : أهذا أفضل ( أومن )[58707] جعل لله أندادا .

ومن شدد[58708] ف( من ) في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف على ما قدمنا في التخفيف[58709] .

وقيل التقدير : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت لأنه ذكر من جعل لله أندادا ليضل عن سبيله[58710] .

ثم قال : { أمن هو قانت } أي : أهذا المذكور أفضل أم من هو قانت ؟ ودل على ذلك قوله : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون }[58711] .

وقيل : ( أم ) بمعنى / الألف ، كأنه قال : أمن[58712] هو قانت ، ويكون الجواب مضمرا بعده كأنه قال : أم من هو قانت كمن مضت صفته من الكفار[58713] . قال ابن عباس : القنوت هنا : قراءة القرآن .

وآناء الليل : ساعاته ، واحدة ، أني كمعي[58714] وفيه وجوه قد تقدم ذكرها[58715] .

وقيل القنوت : الطاعة[58716] ، وهو أصله .

وروى الخدري[58717] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل قنوت في القرآن[58718] فهو طاعة لله عز وجل[58719] " .

وروى جابر[58720] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصلاة أفضل ؟ قال : " طول القنوت " [58721] . فتأوله جماعة من أهل العلم أنه طول القيام[58722] .

وسئل ابن عمر عن القنوت ، فقال : ( ما أعرف القنوت إلا طول القيام ، وقراءة القرآن )[58723] .

وقال مجاهد : من القنوت : طول الركوع ، وغض الطرف[58724] .

ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه[58725] .

وعن ابن عمر : إنها نزلت في عثمان رضي الله عنه[58726] .

وكانوا يستحبون حسن الملبس في الصلاة .

روى نافع[58727] أن ابن عمر قال له : قم فصل . قال نافع : فقمت أصلي – وكان عليَّ ثوب خلق – فدعاني ابن عمر فقال لي : أرأيتك لو وجهتك في حاجة وراء الجدار ، أكنت[58728] تمضي هكذا ؟ ! قال : فقلت : كنت أتزين ! قال : فالله جل وعز أجل أن يتزين له ! ! . [58729]

قوله : { ساجدا وقائما } ، أي : يقنت ساجدا أحيانا وقائما أحيانا { يحذر الآخرة } . أي عذاب الآخرة .

{ ويرجوا رحمة ربه } أي : يرجو أن يرحمه ربه فيدخله الجنة .

ثم قال تعالى : { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } أي : قل يا محمد لقومك : هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعة الله عز وجل من الثواب وما عليهم في معصيته من العقاب ، والذين لا يعلمون ذلك .

يعني[58730] : من يؤمن بالبعث والحساب والجزاء والذين لا يؤمنون بذلك . فالمعنى : لا يستوي المطيع والعاصي .

وقيل : الذين يعلمون هم الذين ينتفعون بعلمهم ، والذين هو من لا ينتفع بعلمه ، ومن لا علم عنده[58731] .

ثم قال : { إنما يتذكر أولوا الألباب } أي : إنما يعتبر حجج الله عز وجل فيتعظ بها ويتدبرها أصحاب العقول والبصائر .

ويقف القارئ على ( رحمة ربه ) إن شدد الميم ، لأن الخبر المحذوف مقدر قبل ( قل هل )[58732] .

ومن خفف وجعل ( من ) مرفوعة بالابتداء وقف أيضا على ( ربه ) ويقدر الخبر أيضا محذوفا قبل ( قل هل[58733] ) .

ومن جعله نداء لم يقف على ( ربه ) ، لأن ( قل هل ) متصل بالمنادي .

والمعنى : يا من هو قانت قل هل ، فإن قدرت محذوفا تتم به فائدة النداء ، وقفت على ( ربه ) .

والتقدير : ( يا من هو قانت أبشر ، ثم تبتدئ[58734] قل هل ) .

قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ١٠

ثم قال تعالى : { قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } .

روى الشموني[58735] عن الأعمش[58736] عن أبي بكر : ( يا عبادي ) بياء مفتوحة[58737] .

والمعنى : قل يا محمد لعبادي المؤمنين : يا عباد[58738] الذين آمنوا ، أي : صدقوا بالله ورسوله .

{ اتقوا ربكم } أي : اتقوه بطاعته واجتناب معاصيه .

ويروى أن هذه الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب ( الطيار في الجنة )[58739] وأصحابه من المؤمنين لما قيل لهم : { وأرض الله واسعة } ، خرجوا مهاجرين من مكة إلى أرض الحبشة ، وقيل لهم : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[58740] يعني : الصابرين على دينهم يفرون به من بلد إلى بلد[58741] .

ثم قال : { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة[58742] } أي : للذين أطاعوا الله في الدنيا ، حسنة في الدنيا وهي العافية والصحة ، قاله السدي[58743] .

وقيل : الحسنة التي لهم في الدنيا : موالاة الله إياهم وثناؤه عليهم[58744] .

وقيل : المعنى : للذين أطاعوا الله في الدنيا حسنة في الآخرة ، وهي الجنة[58745] .

وقوله : { وأرض الله واسعة } يعني : أرض الجنة .

وقيل : المعنى : أرض الدنيا واسعة[58746] ، فهاجروا من أرض الشرك إلى أرض[58747] السلام[58748] .

قال مجاهد في قوله تعالى : { إن أرضي واسعة } أي : أرض الدنيا واسعة فهاجروا واعتزلوا الأوثان[58749] .

وقيل : المعنى : أرض الجنة واسعة لمن طلبها وعمل لها .

ثم قال تعالى : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } أي : إنما يعطي الله أهل الصبر على طاعته أجرهم في الآخرة بغير حساب .

قال قتادة : ما هناكم مكيال ولا ميزان[58750] ، وقال السدي : ذلك في الجنة[58751] .

قال مالك ، ( هو الصبر على فجائع الدنيا[58752] وأحزانها ، وقد بلغني أن الصبر من / الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد )[58753] .

وروى نافع عن ابن عمر أنه قال : لما نزلت { مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة[58754] الآية : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " . فنزلت : { من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له }[58755] فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " رب زد أمتي " ، فنزلت : { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب }[58756] .

وقيل : ( بغير حساب ) . بغير تقدير[58757] .

وقيل : المعنى ، يزاد في أجره بغير مطالبة[58758] على ما أعطي[58759] كما يطالب بالشكر على نعيم الدنيا[58760] .

ويقال : ( فلان صابر )[58761] : إذا صبر عن المعاصي ، فإن أردت أنه صابر على المصيبة[58762] ، قلت صابر على كذا .

page 460

قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَعۡبُدَ ٱللَّهَ مُخۡلِصٗا لَّهُ ٱلدِّينَ١١

ثم قال تعالى : { قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين } أي قل يا محمد لقومك : إن الله أمرني أن أخلص له العبادة والطاعة ، ولا نشرك في عبادته أحدا من أوثانكم وآلهتكم ولا من غيرها .

وَأُمِرۡتُ لِأَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ١٢

{ وأمرت لأن أكون أول المسلمين } ، أي : وأمرني الله لأن أكون أول من أسلم منكم ، وأخضع[58763] له بالتوحيد ، وأخلص له العبادة .

واللام[58764] في ( لأن ) تدل على محذوف تقديره : وأمرت بذلك لأن أكون أول من أسلم .

قُلۡ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ١٣

ثم قال تعالى : { قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } يعني : يوم القيامة – أي ، إن عصيته فيما أمرني به عذبني .

قُلِ ٱللَّهَ أَعۡبُدُ مُخۡلِصٗا لَّهُۥ دِينِي١٤

قوله تعالى ذكره : { قل الله أعبد مخلصا له ديني } – إلى قوله – { لأولي الألباب }[ 14-20 ] ، أي : قل يا محمد لقومك : أعبد الله مخلصا له عبادتي لا أشرك في عبادتي له[58765] ، بل أفرده بالعبادة من الأنداد والشركاء .

فَٱعۡبُدُواْ مَا شِئۡتُم مِّن دُونِهِۦۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡخُسۡرَانُ ٱلۡمُبِينُ١٥

ثم قال : { فاعبدوا ما شئتم من دونه } هذا تهدد[58766] أيضا[58767] ووعيد .

والمعنى : اعبدوا ما أحببتم ستعلمون وبال عاقبة عبادتكم إذا لقيتم ربكم . وهذا كله قبل أن يؤمر بالقتال[58768] .

ثم قال تعالى : { قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة }( أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : إن الخاسرين في الحقيقة هم الذين خسروا )[58769] أنفسهم بإيرادهم إياها في العذاب الدائم ، وخسروا أهليهم ، فليس لهم أهل .

قال ابن عباس : هم الكفار ، خلقهم الله للنار وخلق النار لهم ، فخسروا الدنيا والآخرة[58770] .

وعن ابن عباس أنه قال : ليس من أحد إلا وقد خلق الله له[58771] زوجه في الجنة ، فإذا دخل النار خسر نفسه وأهله ، وكذلك قال قتادة[58772] .

ثم قال تعالى ذكره : { ألا ذلك هو الخسران المبين[58773] } أي : ألا إن خسارة هؤلاء المشركين ( لأنفسهم وأهلهم[58774] ) يوم القيامة ، هو الخسران الظاهر .

لَهُم مِّن فَوۡقِهِمۡ ظُلَلٞ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحۡتِهِمۡ ظُلَلٞۚ ذَٰلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِۦ عِبَادَهُۥۚ يَٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ١٦

ثم قال تعالى : { لهم من فوقهم ظلال من النار ومن تحتهم ظلال } أي : لهؤلاء في جهنم ما يعلوهم مثل الظل ، وما يسفل عنهم مثل الظل ، وهو مثل قوله : { لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش[58775] } .

وقيل : هو توسع[58776] ، أصل الظلة : ما كان من[58777] فوق دون ما كان[58778] من أسفل .

وقيل : إنما سمي ما تحتهم : ظلل لأنها ظلل لمن تحتها ففوقهم[58779] ظلل لهم ، وهي ظلل لمن فوقهم أيضا سميت لمن هو[58780] فوقهم ظلل لأنها ظلل لمن تحتهم[58781] .

وقيل : إنما سمي الأسفل باسم الأعلى ، على[58782] نحو قوله : { وجزاء سيئة سيئة مثلها }[58783] سمي المجازي به باسم الأول ، كذلك سمى الأسفل[58784] باسم الأعلى على طريق المجازاة لما كان الأسفل نارا مثل الأعلى سمي باسمه لأنه كله نار يحادي الأخرى .

ثم قال : { ذلك يخوف الله به عباده } أي : هذا الذي أخبرتم[58785] به أيها الناس يخوف الله به عباده ويحذرهم به .

{ يا عباد فاتقون } .

روى عصمة[58786] أن أبا عمرو[58787] أثبت الياء في ( يا عبادي ) ساكنة ، وروى عياش[58788] بفتح الياء[58789] .

والمعنى : يا عباد فاتقون بأداء الفرائض واجتناب المحارم .

وَٱلَّذِينَ ٱجۡتَنَبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَ أَن يَعۡبُدُوهَا وَأَنَابُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰۚ فَبَشِّرۡ عِبَادِ١٧

ثم قال تعالى : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها } أي : والذين اجتنبوا عبادة الطاغوت وهو كل ما يعبد من دون الله .

وقيل : هو إبليس اللعين[58790] .

قال الأخفش[58791] : ( الطاغوت جمع . ويجوز أن يكون واحدة مؤنثة )[58792] وقال الزجاج[58793] : الطاغوت : الشياطين[58794] .

ويروى أن هذه الآية نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد[58795] وسعيد[58796] وطلحة[58797] والزبير[58798] رضي الله عليهم لما آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم وصدّقه أتاه هؤلاء فسألوه فأخبرهم بإيمانه فآمنوا وصدقوا ، فنزل فيهم : { والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها }[58799] الآية/ ونزل فيهم : { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه }[58800] .

قال مالك : الطاغوت : ( ما يعبد )[58801] من دون الله[58802] .

ثم قال تعالى : { وأنابوا إلى الله } أي : تابوا ورجعوا[58803] عن معاصيه أجابوا داعيه .

لهم البشرى : قال السدي : لهم البشرى في الدنيا بالجنة في الآخرة[58804] .

ثم قال تعالى : { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه } .

روى أبو عبد الرحمن[58805] وأبو حمدون[58806] عن اليزيدي[58807] ( عبادي ) بياء مفتوحة في الوصل ، وبغير ياء في الوقف اتباعا للخط ، وحكى ذلك أيضا ابن واصل[58808] عن اليزيدي ، ( وكذلك حكى إبراهيم بن اليزيدي[58809] ( وابن سعدان )[58810] كلاهما عن اليزيدي )[58811] .

ولم يذكر ابن سعدان الوقف ولا إبراهيم .

وأنكر أبو عبد الرحمن الوقف بغير ياء ، وقال : لا بد من الوقف بالياء لتحركها .

وقد روى الشموني[58812] عن الأعمش[58813] عن أبي بكر ( عبادي ) بياء مفتوحة[58814] .

ومعنى الآية : فبشر يا محمد عبادي[58815] الذين يستمعون القول فيتبعون أرشده وأهداه إلى الحق وأدله على توحيد الله عز وجل والعمل بطاعته .

وقال السدي : معناه : فيتبعون أحسن ما يؤمرون به فيعملون به[58816] .

وقال الضحاك : القول هنا : القرآن[58817] .

ومعنى : { فيتبعون أحسنه } أي : يتبعون ما أمر الله[58818] به الأنبياء من طاعته فيعملون به أي : يستمعون[58819] العفو عن الظالم والعقوبة ، فيتبعون العفو[58820] ويتركون العقوبة وإن كانت لهم . وإنما نزل ذلك فيما وقع في القرآن في الإباحة فيفعلون الأفضل مما أبيح لهم فيختارون العفو على القصاص والصبر على الانتقام اقتداء بقوله تعالى : { ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور }[58821] .

وقيل : المعنى : يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن[58822] .

ثم قال : { أولئك الذين هداهم الله } ، أي : وفقهم الله[58823] للرشاد وإصابة الحق { وأولئك هم أولوا الألباب } أي : العقول . وَلَبُّ كل شيء : خالصه .

وروي أن هذه الآية نزلت في رهط معروفين وحدّوا الله وتبروا من عبادة كل ما دون الله قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم[58824] وهم فيما روى زيد بن أسلم[58825] : زيد بن عمرو بن نفيل[58826] وأبو ذر الغفاري[58827] وسلمان الفارسي كانوا في الجاهلية يقولون : لا إله إلا الله[58828] .

فيكون المعنى : والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها في جاهليتهم وأنابوا إلى الله سبحانه ، أي : رجعوا إلى توحيد الله عز وجل .

وقوله : { فيتبعون أحسنه } ، هو : لا إله إلا الله .

{ أولئك الذين هداهم الله } أي : أرشدهم بغير كتاب ولا نبي .

وقوله : { فبشر عباد } تمام عند أبي حاتم وغيره ، لأنه رأس آية[58829] .

ورفع[58830] ( الذين ) بإضمار رافع ، أو بنصبهم[58831] على إضمار ناصب .

ٱلَّذِينَ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقَوۡلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحۡسَنَهُۥٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَىٰهُمُ ٱللَّهُۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمۡ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ١٨
أَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ١٩

ثم قال تعالى : { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } أي : أفأنت تنقده . ودخلت الألف في الخبر للتأكيد[58832] .

وقيل : الخبر محذوف[58833] ، والتقدير : أفمن حق عليه كلمة العذاب يتخلص أو ينجو ، أي : أفمن سبق في علم الله أنه يدخل النار ينجوا أو يتخلص .

قال قتادة معناه[58834] : أفمن حق عليه كلمة العذاب بكفره[58835] أفأنت يا محمد تنقذه من العذاب .

وقيل : هو جواب لقصة محذوفة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم دعا لقوم من الكفار أن يرزقوا الإيمان . فقيل له : أفتدعو لمن حق عليه العذاب ، أفأنت تنقذ من في النار[58836] .

لَٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ لَهُمۡ غُرَفٞ مِّن فَوۡقِهَا غُرَفٞ مَّبۡنِيَّةٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ ٱلۡمِيعَادَ٢٠

ثم قال : { لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف } أي : اتقوه بأداء فرائضه واجتناب محارمه لهم في الجنة غرف { فوقها غرف }[58837] .

قال الزجاج : معناه : لهم في الجنة منازل رفيعة فوقها منازل أرفع منها[58838] .

{ تجري من تحتها الأنهار } أي : من تحت أشجارها .

ثم قال تعالى : { وعد الله لا يخلف الله الميعاد } أي : وعد الله ذلك وعدا .

وسيبويه يسميه مصدرا مؤكدا بمنزلة : صنع الله وكتاب الله .

وأجاز أبو حاتم الوقف على ( الأنهار ) وهو غير جائز على مذهب سيبويه لأن ما قبل ( وعد ) يعمل فيه لقيامه مقام العامل[58839] .