{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى } : أقل ، { مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } ، وفي قراءة نصب نصفه وثلثه عطف على أدنى ، ويكون المراد من أدنى من ثلثي الليل الربع ، ليكون تجاوزا عن الأمر فيترتب عليه قوله : " فتاب عليكم " ، ويكون موافقا لتلك القراءة معنى ، { وطائفة } ، عطف على فاعل تقوم ، { من الذين معك } أي : يقومون أقل ، { والله يقدر الليل والنهار } : لا يعرف مقادير ساعتهما إلا هو ، فيعلم القدر الذي يقومون فيه ، { علم أن لن تحصوه } : أن لن تطيقوا ما أوجب عليكم من القيام ، أو لن تستطيعوا ضبط الساعات ، { فتاب عليكم } : عاد عليكم بالعفو والتخفيف ، وعن غير واحد من السلف إن هذه الآية نسخت الذي كان الله أوجبه على المسلمين أولا من قيام الليل[5185] واختلفوا في المدة التي بينهما سنة ، أو قريب منها أو ستة عشر شهرا أو عشر سنين ، { فاقرءوا[5186] ما تيسر من القرآن } : من غير تحديد لوقت لكن قوموا من الليل ما تيسر عبر عن الصلاة بالقراءة ، ومذهب حسن البصري وبعض آخر : الواجب على حملة القرآن أن يقوموا من الليل ، ولو بشيء منه ، وفي الحديث ما يدل على ذلك ، { علم أن سيكون منكم مرضى } : لا يستطيعون القيام الذي قررناه ، { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } : يسافرون للتجارة ، واجتماع كلفة السفر ، كلفة إحياء الليل بالصلاة في غاية من الصعوبة ، { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } ، هذا إخبار عن الغيب ، فإن السورة مكية ، والقتال شرع في المدينة ، { فاقرءوا ما تيسر[5187] منه وأقيموا الصلاة } : المفروضة عن بعض : إنه نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس ، { وآتوا الزكاة } : الواجبة ، وهذا يدل على قوله من قال : إن فرض الزكاة بمكة لكن المقادير والمصرف لم يبين إلا بالمدينة ، { وأقرضوا الله قرضا حسنا } ، يريد سوى الزكاة من الصدقات ، { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو } ، هو ضمير الفصل ، { خيرا } : من الذي تؤخرونه ، أو من الذي أعطيتموه ، وهو ثاني مفعولي تجدوه ، { وأعظم أجرا } : نفعا ، وجزاء ، وفي الصحيح قال- عليه السلام- " أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا : ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه ، قال : اعلموا ما تقولون ، قالوا : ما نعلم إلى ذلك ، قال : إنما مال أحدكم ما قدم ، ومال وارثه ما أخر " ، { واستغفروا[5188] الله إن الله غفور رحيم } .
والحمد لله رب العالمين .