تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 436

وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡبَحۡرَانِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ سَآئِغٞ شَرَابُهُۥ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞۖ وَمِن كُلّٖ تَأۡكُلُونَ لَحۡمٗا طَرِيّٗا وَتَسۡتَخۡرِجُونَ حِلۡيَةٗ تَلۡبَسُونَهَاۖ وَتَرَى ٱلۡفُلۡكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِهِۦ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ١٢

تفسير المفردات :

عذب : أي حلو لذيذ طعمه ، فرات : أي كاسر للعطش مزيل له ، سائغ : أي سهل انحداره لخلوه مما تعافه النفس ، أجاج : أي شديد الملوحة والحرارة ، حلية : أي لؤلؤا ومرجانا ، مواخر : أي شاقات للماء حين جريانها .

الإيضاح :

( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج( أي وما يعتدل البحران فيستويان : أحدهما عذب سائغ شرابه يجري في الأنهار السارحة بين الناس من كبار وصغار بحسب الحاجة إليها في الأقاليم والأمصار . وثانيهما ملح ساكن تسير فيه السفن الكبار .

( ومن كل تأكلون لحما طريا( أي ومن كل البحار تأكلون السمك الغض الطري فضلا من الله ومنة .

( وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون( أي وتستخرجون الدر والمرجان من الملح الأجاج ومن العذب الفرات ، وتجري السفن في كل منهما تشقه شقا بحيازيمها حين جريها ، مقبلة مدبرة حاملة أقواتكم من بلد إلا آخر ، فتدفع عنكم المخمصة وتسد العوز .

لعلكم تشكرونه سبحانه على تسخيرها لكم ، تتصرفون فيها كيف شئتم ، وتذهبون فيها إن أردتم .

ولما كان بين الفلك في البحر والشمس والقمر في مدارهما مناسبة ، فإن كلا منهما سارح في تلك العوالم الشاسعة- أردفه ذكر الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر فقال : [ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل( .( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون12 يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل تجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير13 إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير( ( فاطر : 12-14 ) .

المعنى الجملي : بعد أن ذكر الأدلة على إثبات البعث وضرب المثل لذلك بإحياء الأرض الميتة بعد إنزال الغيث عليها- أردف هذا ذكر البراهين المختلفة على وحدانيته وعظيم قدرته بخلقه الأشياء المتحدة في الجنس المختلفة في المنافع ، فهذا ماء عذب ذلال يجري في الأقاليم والأمصار ، والبراري والقفار ، يسقى منه الإنسان والحيوان وينبت النبات الذي فيه غذاء لهما ، وهذا ماء ملح أجاج تسير فيه السفن الكبار ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان ، ومن كل منهما تأكل لحما طريا فيه لذة للآكلين ، وهذان ليل ونهار ، ضياء وظلام ، يدخل أحدهما في الآخر فيأخذ هذا من طول ذاك ، ويزيد هذا في قصر ذاك فيعتدلان ، ثم يتقارضان صيفا وشتاء ، وسخر الشمس والقمر والنجوم الثوابت والسيارات ، كل يجري بمقدار معين وعلى نهج ثابت لا يتغير ، وكل ذلك بتقدير العزيز العليم .

أما ما تدعون من دونه من الأصنام والأوثان فلا يملكون شروى نقير ، ولا يسمعون لكم دعاء ، ولا يستجيبون لدعوة ، ويوم القيامة يتبرؤون منكم إذا دعوتموهم واستشفعتم بهم ، ولا ينبئك بهذا إلا الخبير وهو ربك العليم بما كان وما سيكون .